للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد غلط في دارة أهوى لا دارة لأهوى، إنما هي قارة أهوى وأما، الوجه الآخر الذي غلط فيه فقوله: أنها إذا كانت في الرمل فهي الديِّرة، واستشهد الأصمعي بقول ابن مقبل: بتنا بدَيِّرة يضيءُ وُجوهَنا دَسَمُ السَّليط على فَتيل ذُبالِ وقد غلط ولا شاهد له في هذا البيت. لأنه يقال للدارة إذا كانت بين الجبال أو بين جبال الرمل: دارة ودَيِّرة بمعنىً وأنشد أبو عمرو لأبْرج:

وأبرقْ وأرعدْ لي إذا العيس خَلّفتْ ... بنا دارة الآرام ذاتَ الشقائقِ

والشقائق: جمع شقيقة، وهى الشِّقة الطويلة المستقلة بين حَبْلي الرمل، وقال الآخر:

تَربّعتْ من بين دارات القِبعْ ... بين لوى الأمعز منها وضَبَعْ

واللِّوى: ما أشرف من الرمل.

١٣ - وروى أبو حنيفة لأبي ذؤيب:

ثلاثاً فلما استُجيل الرّبا ... بُ واستجمَعَ الطفل فيه رشوحا

وفسره فقال: استجيل الرباب: كُرْكِرَ ومُخِضَ، وهذا البيت والذي قبله وهو:

وهى خَرْجُهُ واستجيل الرّبا ... ب عنه وغُرِّمَ ماءً صريحا

ويرويان: بالخاء والحاء والجيم، واستخيل واستحيل واستجيل والجيم رواية أبي حنيفة، واستخيل - وهي أضعفها - وتليها الحاء ثم الخاء معجمة، وهي أعلى الروايات وخيرها.

فاستجيل - بالجيم - كُركِرَ ومُخض؛ وقيل: بل حالت العين فيه. والقول الأول خير وهو أشبه بالشعر، وهو قول أبي حنيفة.

واستحيل: فرغ ماوه، ومنه قول الشاعر:

يُحيلون السِّجالَ على السِّجالِ

وهو اختيار ثعلب.

واستخيل: نظر إلى حاله، وهو خير الأقوال لأن بعده:

مَرَته النُّعامى فلم يعترف ... خلاف النُّعامى من الشأم ريحا

ونحن نختار الخاء معجمة. فتأمّل الشعر تجد ما اخترناه خيراً مما اختاره غيرنا.

١٤ - وأنشد أبو حنيفة لكثيّر:

وعرّس بالسَّكران رِبعين وارتكى ... يَجرُّ كما جرَّ المكيثُ المسافرُ

وقال: ربعين ثمانية أيام، كما قال الأول: سبعين.

وهذا غلط لأن الربعين خمسة أيام، فأما الذي قال سبعين فهو أبو وجزة، والسّبْعان هناك مفتوحان، وهما: أربع عشرة ليلة، والبيت:

وكركرته الصَّبا سَبْعين تحسبهُ ... كأنَّه بحِيال الغَور مَعقُورُ

فإن كسره أبو حنيفة أخطأ كما أخطأ في تفسير الرِّبعين، ثم يؤخذ من الجزء الطويل له.

١٥ - وقال أبو حنيفة: الصَّلال: أمطار متفرقة، وكذلك نباتها صِلال والواحدة صَلّة، والصلّة - في غير هذا - الأرض، قال الراعي:

سيكفيك الإله ومُسْنَمات ... كجندلِ لُبْنَ تطّرِدُ الصِّلالا

وهذه رواية مغيّرة، وإنما الرواية:

سيكفيك المُرَحّلَ ذو ثمانٍ ... سحيلٌ تعزلين له الجُفالا

ويكفيكِ الإله ومُسنمات ... كجَنْدل لُبَنْ تطَّردُ الصِّلالا

١٦ - وقال أبو حنيفة: والخَوات: صوت الرعد، قال عروة:

كأنَّ خواتَ الرَّعد صوت زئيرهِ ... من اللائي يسكُنَّ العَزيفَ بِعَثّرا

وفي بعض نسخ الكتاب: الخوات الرعد.

وكلا القولين غلط، ولا شاهد له في البيت، وإنما الخوات: الصوت لأي شيء كان، وليس بمقصور على الرعد دون غيره. وقال ابن هرمة:

فلا حسّ إلا خوات الرَّذاذ ... وزَعْبُ السُّيولِ بأدراجها

وتقول: سمعت خوات الطائر إذا سمعت حسه، فالخَوات: حسُّ كل شيء وصوته. ولا وجه لما قال إلا أن يخرجه على العموم، فإن كان أراد ذلك فقد كان يلزمه أن يزيد كلامه شرحاً، وإن كان لم يُردْه فقد غلط.

١٧ - وقال أبو حنيفة: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن سحائب مرت، فقال: كيف ترون قواعدها وبواسقها أجوناً أم غير ذلك؟ فقال: كيف ترون رحاها.

ثم سال عن البرق: أخفوٌ أم وميض أم يشقُّ شقاً؟ فقال: جاءكم الحيا.

وما هكذا ألفاظ الخبر، روى ابن الأعرابي وغيره - واللفظ لابن الأعرابي - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ذات يوم مع أصحابه، إذ نشأت سحابة، فقيل: يا رسول الله: هذه سحابة فقال: كيف ترون قواعدها قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكنها، قال: فكيف ترون بواسقها، قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها، قال: فكيف ترون برقها أوميضاً أم خفياً أم يشق شقاً؟ قالوا: يشقُّ شقاً، قال: فقال رسول الله الحَيا.

<<  <   >  >>