للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال أبو القاسم: وكان يجب أن يقول: كما تتقبص - بتاءين - فلأنه يُستخفى لها حتى تؤخذ، لأنَّ الطير اسم للجنس والواحد طائر.

٣٢ - وقال أبو حنيفة، قال الفراء: إذا رعى القوم العِضاه قيل: القوم مُعِضّون، وقد أنشدني العُقيلي:

أقول وأهلي مُؤرِكُونَ وأهلُها ... مُعِضُّون: إن سارتْ فكيف أسيرُ

فجعله إذ كان من الشجرة لا من العشب بمنزلة المعلوفة في أهلها، النَّوى وشِبْهه، وذلك أن العُضّ هو عَلَف الرِّيف من النَّوى والقَتّ وما أشبه ذلك، ولا يجوز أن يقال من العِضاه مُعِضّ إلاّ على هذا التأويل، والمُعِضّ: الذي تأكل إبله العُضّ، والمؤرِك: الذي تأكل إبله الأراك، أو الحمض، والأراك من الحمض. هذا كلّه قول أبي حنيفة.

وقد غلط في الذي قاله وأساء تخريج وجه كلام الرجل لأنه قال: إذا رعى القوم العضاه قيل: القوم مُعِضون فما لذكره العُضّ، وهو علف الأمصار، مع قول الرجل العضاه، " وأين سُهَيْلٌ من الفَرْقَد "! وقوله: لا يجوز أن يقال من العِضاه مُعِضّ إلاّ على هذا التأويل، شرط غير مقبول منه - رحمه الله - لأن ثم شيئاً غيّره عليه قبل، ونحن نذكره إن شاء الله.

قال أبو زيد الأنصاري في أول كتاب الكلأ والشَّجر: " العضاه اسم يقع على شجر من شجر الشوك له أسماء مختلفة يجمعها العضاه، وواحدتها عِضاهة وعضة وعضهة، وإنما العِضاه الخالص منه ما عظم واشتدّ شوكه، وما صغر من شجر الشوك فإنه يقال له: العِضُّ والشِّرْسُ ".

وقال أبو زيد - في هذا الكتاب وقد ذكر القياس -: " فهذه كلها تدعى عِضاه القياس، وليست بالعِضاه الخالص وليست بالعضّ ولا الشِّرس، وأهل تهامة يسمون شجر القياس هذه كلها عضاهاً وليس فيهن شوكة إلاّ حَجَن صغار الواحدة جَحَنة، وهي كأنها شوك السِّدر، والحجن: المعفقة الصغار ".

قال أبو زيد: " ومن العضّ والشِّرْس القَتاد الأصغر، ثم حلأها، ومنه الشُّبْرم والواحدة شُبْرمة، وهي شجرة شاكة، ولها ثمرة نحو النّخذة في لونه ونبتته، ولها زهرة حمراء ". وذكر غير ذلك من شجر العضّ والشِّرس.

قال أبو يوسف في إصلاح، المنطق ويقال: هذا بعير غاضٍ، إذا كان يأكل الغضا لإبل غواضٍ، فإذا اشتكى عن أكل الغضا، قيل بعير غضٍ. وإذا نسبته إلى الغضا، قلت: بعير غضويٌّ. فإذا كان يأكل العِضاه قلت: بعيرعَضِهٌ. وبعيرعاض: يرعى العضَّ، وهو في معنى عَضهٍ، والعِضّ هو العضاه. يقال: بنو فلان مُعِضّون، أي ترعى إبلهم العضُّ. وبنو فلان مُشرسون أي ترعى إبلهم الشِّرس، وهي عضاه الجبل. وإذا نسبت إلى العضاه قلت عضاهي، قال الراجز:

وقرّبوا كلَّ جُماليَ عَضِهْ

وقال أيضاً: وأرض مُعضهة كثيرة العضاه، ومُعِضّة كثيرة العِضّ وهي العضاه بعينها، وأرض مُشرسة كثيرة الشِّرس.

وقال في هذا الباب: والبارض أول ما يخرج من الأرض من البُهمى، والحُمرة، والنَّزَعة، وبنت الأرض، والقبأة، والهلثى - وهو ما دام صغيراً - بارضٌ، لأن نبتة هذه الأشياء واحدة ومنبتها واحد، فإذا طالت تبيّنت.

وإنما سقنا هذه الحكاية لما فيها من فائت أعيان النبات. وقال أبو رياش: العِضاه اسم عظام الشَّجر من ذي الشوك وصغاره، فما صغر من ذي الشوك ونبت في الجبل فهو الشِّرس، وما صغر من ذي الشوك، ونبت في السَّهل فهو العضّ.

وعلى هذه الأقوال وهذا التفصيل قول الفراء: مُعِضّون يكون من العِضّ الذي هو نفس العضاه، وتسلم حكايته وتصح روايته، وقلة التفقد لمواضع الردّ على العلماء مُردٍ، وبالله أستعين من الزلل، وإياه نستوهب السَّلامة في القول والعمل.

٣٣ - وذكر أبو حنيفة العِظْلم فقال: ونبات العظلم ببلاد العرب كثير ولا يتخذ منه ببلاد العرب النّيل، ولكن ببلاد الهند لفضل ذلك العِظلم في الفوّه.

وليس الأمر كذلك، قد يتخذ النّيل بأرض العرب وغيرها، والنيل الهندي جيد - لعمري - ولكنه قد يجيء من الحجاز ومن أغوار زَعر وأعلاها نيل لا يُقصِر جيّده عن الهندي.

٣٤ - وقال أبو حنيفة: وقد روى بعض الثقات عن الأصمعي أنه قال: الإبل لا تُهنأ بالقطران للجَرَب، ولكن للقِردان والحَلَم والدَّبَر، فأما الجرب فإنها تُهنأ منه بالنفط ٠ هذا ما حكاه هدا الشيخ، وقد قال القَطِران العبشمي:

أنا القَطِرانُ والشعراءُ جَرْبى ... وفي القطران للجَربى شِفاءُ

<<  <   >  >>