ليالي تستبيكَ بذي غُروبٍ ... يرفُّ كأنّه وَهْناً مُدامُ
ورف يرِفُّ إذا اختلج حاجبه، ورَفَّ الشَّجَر يرف إذا اهتزَّ من نضارته هذا بالكسر كلّه.
ويقال: رفَّ يرُفُّ إذا مصَّ الشراب وغيره، وكذلك رفَّ البعير البقل إذا أكله، ولم يملأ فمه منه، وكذلك رفَّ له يرُفُّ إذا كسب له وكل هذا بالضم.
وأما رفَّ يرَفُّ - بالفتح - فكما ذكر أبو حنيفة أنه حفظه فلم يأت في كلام العرب.
والرَّف من الكلمات التي جاءت كل واحدة منها، بعشر معان، وقد أفردنا لها كتاباً سميناه بكتاب العَشَرات، أنت ترى الرَّف فيه مستقصىً، إن شاء الله، ولما لم يستقبح أن يرد على أبي زيد استقبحنا نحن أن نردَّ عليه.
٢٦ - وقال أبو حنيفة - وقد ذكر البَرَم -: وأخبثها بَرَمة العُرفط، وهي بيضاء كأن هيادبها القطن، كما يُرى في برمة الآس، وهي مثل زرِّ القميص أو أشفُّ منه، وقد يقال: لبُرمة العُرفط خاصة الفَتْلَة.
وهذا غلط في هذا الشرط لأن أبا زيد قال في كتاب النبات، وقد ذكر السَّمُرة ووصفها، ثم قال: ويقال لنَوْرتها لأول ما تخرج البَرَمة، ثم أول ما يخرج من بدء الحُبْلة كُعْبورة نحو بدء البُسْرة فتلك البَرَمة ينبت فيها زُغبٌ بيض هو نَورها، فإذا خرجت فتلك البَلّة، والفَتْلة، ثم ذكر كلاماً قال فيه: ويقال أبرمت السَمُرة، وأحبلت، وأفتلت، ثم ذكر العُرفط ولم يذكر الفتلة التي ذكرها أبو حنيفة. ولست أُنكرها وإنما رددت شرطه الذي قال فيه لبَرمة العُرْفط خاصة.
٢٧ - وقال في قول النمر بن تولب:
وكلُّ خليل عليه الرِّعا ... ثُ، والحُبُلاتُ كذوبٌ مَلِقْ
الرِّعاث: القِرطة الواحدة منها رَعثة، ولعمري إنها لقِرطة، ولكن الرَّعثة الواحد، والجمع: رَعَثات، قال الشاعر:
ماذا يُؤرّقني والنوم يعجبني ... من صوت ذي رَعَثاتٍ ساكنٍ داري
وقال جرير:
بِزَرودَ أرْقصتِ القَعودُ فِراشها ... رَعَثاتِ عُنْبُلها الغِدَفْلُ الأرْعَلُ
ثم جمع الرّعثة على الرَّعثات والرِّعاث، وهذا كقولهم: جَمْرة، وجَمَرات، وجِمار.
٢٨ - وقال أبو حنيفة: الإبرام أعمُّ من الإحبال لمخالفة الثمرة واشتباه النور، يقال للقتاد: أبرم وللأراك أبرم ذكر ذلك أبو عبيدة. ولا يقال لثمره حُبْلة، ولا عُلّفة.
وقد أصاب في الأراك وأخطأ في القَتاد، لأن القتاد يقال لبَرَمه البَغْو، والواحدة بَغْوة - حكاها أبو زيد وغيره - ولا يقال لها: بَرَمة.
٢٩ - وقال أبو حنيفة: وزعم الجَرمي عن يونس أن من العرب من يقول: سِيس يُساس فهو مَسوس، وأنشد:
فما رَزَق الجنود بها قفيزاً ... وقد سيست مطاميرُ الطَّعامِ
في رواية هذا البيت تغييران، وهذا شعر معروف لرجل من بني تميم، كان في حرب الأزارقة مع المُهَلّب يخاطب به الحجّاج ويشكو إليه مما فعل المغيرة بن المُهلّب، والرُّقاد من جباية خَراج إصطخر ودرابِجرد، وترك النَّفَقة في الناس، والرواية:
ألا قل للأمير جُزيت خيراً ... أرحنا من مُغيرةَ والرُّقادِ
فما رَزَقا الجنود بها قفيزاً ... وقد ساستْ مطاميرُ الحصادِ
ويروى: سيست. فروى رَزَق، وهو رزقا - بالتثنية - وغيّر الحصاد بالطعام.
٣٠ - وأنشد أبو حنيفة لأبي ذؤيب:
تأبَّط خافةً فيها مِسابٌ ... فأضحي يقتري مَسداً بِشيقِ
وفسّر فقال: وترك الهمزة من المسأب، وقال ساعدة في ذلك:
معه سِقاءٌ لا يُفرِّط حَمْلَهُ ... صُفْنٌ وأخراصٌ يَلُحن ومِسأبُ
وهذا الذي قاله قد قاله غيره من الرُّواة، وليس بالجيّد، إنما الجيد أن المسأب - هو سقاء العسل - مهموز والجمع مسائب، فإذا ترك همزه، فهو مساد - بالدال - قال الراجز يصف حبشياً مقتولاً على قفاه، وهو عُريان فشبهه بالزِّق وشبه عانته بكفِّ جِعْلان:
كأنّما جِيفتُهُ في الوادي ... كومةُ جِعلانٍ على مَسادِ
ووجه رواية أبي ذؤيب: تأبّط خافةً فيها مساد.
٣١ - وأنشد أبو حنيفة لأبي ذؤيب:
فليتهمُ حذروا جيشَهم ... عَشيّةَ هُمْ مثلُ طير الخَمَرْ
وقال: أي يَتَقَبّصون على جنّ عَيْن كما يتقبّص طير الخَمَر لأنه يستخفي له حتى يؤخذ.