وقد أراني في الزمان الأولِ ... أدُقُّ في جار استها بمعوَلِ
دقكَ بالمِنحازِ حبَّ الفُلْفُلِ
وكذلك قول خوّات بن جُبير:
وأمِّ عيال واثقين بكسبها ... خلجتُ لها جارَ استها خلَجاتِ
فهذا هو الوجه مع أنه الرواية، وقد يجوز أن يخرج لما قال وجهاً على قبح وضعف. وذلك أن يكون تناهى في أقذاره أن جعله مما يخرج من الدُّبر توسعاً في السب، لا على الحقيقة كما قال المُساور بن هند:
فإن تكن أنتَ من عبسٍ وأمّهمُ ... فأُمُّ عَبْسِكمُ من جارة الجارِ
فجارة الجار: الدبر، وكما قال الكميت:
جاءت بكم فتحجّوا ما أقول لكم ... بالظنّ أمّكم من جارة الجارِ
فجارة الجار: الدبر يدلك على ذلك قول الذي دنا من امرأته فوجدها حائضا فأخذها في دبرها، وقال:
كلا وربِّ البيتِ ذي الأستار ... لأهتِكنَّ حَلَقَ الحِتارِ
قد يُؤخذُ الجار بذنب الجارِ
وهذا وإن جاز التعلق به، فالأولى إتباع الرواية الأولى.
٢٣ - وقال أبو زياد: الوازع: الزاجر، والوازع: المستحث، وقال ذو الرمة:
وخافق الرأس مثلِ السيف قلت له: ... زَعْ بالزمام وجَوْزُ الليل مَركومُ
وقال لبيد: وقولا له - إن كان يقسم أمره - ألمّا يَزعْكَ الدهرُ أُمُّكَ هابلُ وقال: يقول ألمّا ينهك الدهر.
وقد أصاب في رواية بيت ذي الرمة وتفسيره - وهو مما غلط فيه جماعة من الرواة - وأخطأ في رواية بيت لبيد، وأخطأ أيضا في أن جعل الوازع من الأضداد، وإنما الوازع: الزاجر، والزائغ: المستحث، تقول: وزع يزع، إذا كفَّ فهو وازع، كما يقال: وضع يضع فهو واضع. وإذا أمرتَ قلتَ: زَع مثل قولك: ضع، ومن ذلك قولهم: " لا بد للسلطان من وَزْعة " ومنه قول النابغة:
فقلت: ألمّا تصحُ والشيبُ وازعُ
أي والشيب زاجر كافٌّ. ووجه رواية بيت لبيد: ألمّا يزعك الدهر كما تقول: ألمّا يضعك.
ويقال من الاستحثاث: زاع يزوع زوعا فهو زائع، كما يقال: فال يقول فهو قائل، وتقول إذا أمرته بالاستحثاث زُع كما تقول: قُل، والمُستحثّ والكافُّ وازعٌ هما مختلفان لفظا ومعنى، ولما لم يضبط أبو زياد فرقان ما بينهما جعلهما بلفظ واحد ضدين، ولم يقل هذا أحد غيره، وقد أساء فيه التمييز.
هذا آخر ما في نوادر أبي زياد من السهو.
٢٤ - وقال أبو زياد قبل هذا الموضع وقد أنشد بيت الفرزدق:
وعضُّ د زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلاّ مُسحتاً أو مُجلّفُ
أقوى أبو فراس. وإنما أخرته إلى آخر التنبيه عليه لأنه مما قدمت ذكره من ردّهم على الشعراء فجعلته طرفا لذلك. وقد خالف سائر الرواة في هذا القول لأن الرواة أجمعين على رواية: مسحت بالرفع والنصب، فمن رفع لم يحتج إلى احتجاج لمجلف، ومن نصب احتج وأوضح وجهه، واستشهد له، ولم يقل منهم أحد أنه أقوى. وسنذكر من ذلك ما يحضرنا حفظه إن شاء الله.
قال أبو جعفر محمد بن حبيب وأنشد هذا البيت في النقائض:
إلاّ مُسحت أو مجلّف
وحكى أبو توبة عن الكسائي: مُسحتا بالنصب، وفد قال أبو عبد الله بن الأعرابي والفراء: حروف الاستثناء تجيء بمعنى قليل من كثير فجعل إلاّ معلّقة بأن يكون، فأضمرها ونواها ورفع مسحتاً على هذا المعنى أراد أن يكون مسحت أو مجلف فرفعه بيكون المضمرة، وإلا يدل على تعلقها بأن تكون كقولك: ما أتاني أحد إلا زيد، ومثله لشبيب ابن البَرصاء:
ولا خيرَ في العِيدان إلاّ صِلابها ... ولا ناهضات الطير إلاّ صقورها
أراد: ولا خير في العيدان إلاّ أن تكون صلابها، وإلاّ أن تكون صقورها.
وحكوا عن خالد بن كلثوم:
وعضُّ زمانٍ يا ابنَ مروانَ ما به
قال: ومن روى مسحتا، أراد: لم يدع فيه عضُّ الزمان إلا مسحتاً، أو مجلّف بقي. فرفعه على هذا الإضمار، وأنشد:
غداةَ أحلتْ لابنِ أصرمَ طعنةً ... حُصينٍ عَبيطات السَّدائفِ والخمرُ
أراد: أحلت له الطعنة عبيطات السدائف وجلت له الخمر مع ذلك.
وقال الطوسي: من روى مسحت أو مجلف فرفعهما معا أراد لم يدع من الدعة، ولم يوقع لمسحت فعلا.