٣ - وقال أبو عمرو: كان مدركة وطابخة أخوين طلبا إبلهما فصادا أرنبا، فقال مُدركة لطابخة: اطبخ لنا هذا إلى أن أثني عليك الإبل، فطبخها طابخة، وثني عليه مدركة الابل، فلما أتيا أمهما، قالا: فعلنا وفعلنا، قالت: " فأنت طابخة وهذا مُدركة ". فذهب طابخة ومدركة باسميهما وأمهما خِندف.
وإنما أبوهما الذي قال لهما هذا، وهو الذي قال لأمهما يومئذ - واسمها ليلى -، وكانت خرجت مسرعة لما أتاها الخبر: " علام تُخندِفين وقد أدركت الإبل " فذهب خندف باسمها وهي: ليلى بنت عمران بن إلحاف بن قُضاعة.
٤ - وقال أبو عمرو: التَّماتين في المظلة: التَّضريب في البيت ليستقيم بها البيت، وهو أن يضرب بالخيوط كما يضرب في الفسطاط والشاذكونة، يقال: مَتّنْ بيتك، وواحد التماتين: تمتين.
وهذا الذي قاله غلط، إنما التماتين: الخيوط وواحدها تَمْتان، بإجماع أهل اللغة، فأما التَّمتين فالفعل - وهو التضريب - يقال: متن فُسطاطه وثوبه يُمَتّنه تمتيناً فجعل الفعل اسماً واحداً ووحّد الجمع فغيّر واحده.
٥ - قال أبو عمرو: واللِّص يقال له خارب، وأنشد:
ولا خاربٌ إنْ فاته زادُ صاحبٍ ... يَعَضُّ على إبهامه، يَتَفكّنُ
أي يتندّم.
وهذا غلط، الخارب: الذي يسرق الإبل خاصة لم. قال أبو زياد: الخارب: الذي يسرق الإبل ولا نسميه لصاً، هو عندنا أجلُّ من اللص.
وقال ثعلب في قول العجّاج:
أنت وهبت هجمةً جُرجورا ... أُدْماً وعِيساً مَعَصاً صبورا
لم تعط في عطائها تكديرا ... خِرابةً ولم تكن مهورا
الخرابة: سرقة الابل خاصة، وكذلك قال أبو نصر في قول ذي الرمة:
فجاء كذَوْد الخاربين يسلُّها ... مِصَكّ تهاداهُ صحارٍ صرادحُ
وقال أبو زياد أيضا: " والخارب الذي يأخذ النَعَم من الشام فيستاقها، ثم يبيعها باليمن، ويأخذها من اليمن، فيبيعها بالشام، وهو الطَّراد ولا ندعوه لصاً، هو أرفع عندنا من اللصّ، واللِّص: عندنا الذي يسرق من البيت؛ والطريق؛ ومتاع الناس ".
وهذا الذي فاله أبو زياد غير صحيح، لأن أبا رياش قال: الخارب الذي يسرق الإبل - وقد يقال له اللص - واللص لا يقال له: خارب، وهذا هو القول الصحيح لا قول أبي عمرو وأبي زياد، لأن الراجز يقول:
والخاربُ اللِّصُّ يُحبُّ الخاربا ... وتلك قُربى مثلَ أن تُناسبا
أنْ تُشبه الضَّرائب الضَّرائبا
فأما فول الآخر:
إئتِ الطريقَ واجتنبْ أرماما ... إنَّ بها أكتلَ أو رزاما
خُويربينِ ينفقانِ الهاما ... لم يتركا لمُسلمٍ طَعاما
وإنما وصفهما مع سرقتهما الإبل بالنَّهم، لا بأنهما يسرقان طعام الناس، والعرب تعدُّ آكل مُخّ الرأس نهماً، ولذلك يقول شاعرهم:
ولا يسرقُ الكلبُ السَّروقُ نِعالنا ... ولا ينتقي المُخَّ الذي في الجماجمِ
ومما يدلّك على صحة قول شيخنا أبي رياش، وفساد قول الشيخين - رحمهم الله - قول قّسَّام بن رواحة السِّنْبسي:
لبئسَ نصيبُ القوم من أخويهم ... طِرادُ الحواشي واستراقُ النواضحِ
وقول أبي محمد الحذلمي:
يمنعها من شرِّ خرَّابٍ وسَلْ ... وطائفِ الحُواضِّ أو من مُهتبلْ
مخافة البيضِ وأطراف الأسَلْ
وقال ابن الأعرابي: السَّلُّ: السرقة، يقال: في فلان سلَّة أي سرقة. ومن أمثالهم: " الخلّة تورث السَّلّة " قال: والخُرّاب: الذين يسرقون الإبل خاصة.
٦ - وأنشد أبو عمرو لمالك العليمي:
انجُ نجاءً من غريمٍ مكبولْ ... يُلقي عليه النّأدلان والغولْ
واتّق أجناداً بفرعٍ مجهولْ
وفسره فقال: النأدلان أمران جسيمان واحدهما: النأدل، والغول: أمرٌ دَهيٌّ، والفَرع: الأرض المجدبة.
وأكثر الرواة على أن النَّيدلان - بفتح النون وحذف الهمزة - وأنه الذي تسميه العامة: الكابوس. وينشدون هذا البيت:
يُلقى عليه النَّيدلان بالليل
والوجه ما رواه أبو عمرو من الغول، والوجه في، تفسيره ما عليه الرواة من التوحيد، وأنه الكابوس.
٧ - وقال أبو عمرو: والصُّفاخ: واحدة ولا أعرفها إلاّ واحدة، وهي في شعر الحطيئة، يقال: ناقة صُفَّاح ولا يقال: صُفّاحة.