وقد أساء أبو عمرو في هذا الشرط ووهم، يقال: ناقة صفّاح - كما قال - وصُفّاحة وأنا أذكرها، والشاهد له قول حارثة بن بدر الغداني:
لحيبِ الجَنْب صُفّاح سِنادٍ ... مُفأَّمةٍ كدسْكرة الموالي
والشاهد عليه أيضا قول الفزاري أنشده ابن الأعرابي وغيره: ١٤ب وصفّاحةٍ مثل الفنيق منحتها عِيالَ ابن حَوْبٍ جنّبته أقاربه والحوب: الجهد. والصُّفاحة: الناقة الشديدة - هاهنا - شبهت بالصخرة لصلابتها وشدتها، والصُّفاحة: الصخرة.
٨ - وقال أبو عمرو: يقال غَوِي الجَدي. إذا عطش من اللبن وأُسيء غذاؤه.
وأهل اللغة على خلاف هذا، الغوي عندهم البَشَم، وبذلك يفسرون قول الشاعر يصف قوساً:
مُعَطَّفةُ الأثناء ليس فَصيلُها ... برازئها درّاً ولا مَيّتٍ غَوَى
وقول أبي عمرو أشبه بالبيت، والرواة على ما أنبأتك به.
٩ - وقال أبو عمرو: الصَّيصة: الحُفُّ الصغير تنسج به النساء. وهذا سهو منه - رحمه الله - إنما الصيصة: شوكة الحائك الذي يُمرّها على الثوب، وهي قرن، والقرون هي الصياصي، وبذلك سُميت الحصون الصّياصي لأنها تمنع من فيها كما يمنع ذو القرن بقرنه، قال الله عز وجل: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب) .
وقال أبو يوسف: ورأيت معزاً مُلساً كأنها الصياصي، والصياصي ملاقط النساء التي يلقطن بها النسوج، والواحدة: صيصة بمنزلة الحَف فأراد أنها سِمان مُلسٌ تبرق.
فقوله: ملاقط النساء التي يلقطن بها النسوج موافق لقولنا. وهو الصحيح.
وقوله: بمنزلة الحفّ مقارب لقول أبي عمرو وهو غلط - وفيه نقض لما قدم من صحيح قوله. وقال در يد بن الصِّمة يذكر أخاه عبد الله:
فجئتُ إليه والرِّماح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج المُمدَّدِ
وأما قول الراجز، وذكر التمر:
يُنزعُ بالقَرْن وبالصِّيصجِّ
فإنه لما اختلف اللفظ كرر كما قال الآخر:
وألفى قولها كَذِباً ومَيْنا
كما قال النابغة:
يشفي بريق لِثاتها العَطِشُ الصَّدى
وكما قال الآخر:
وهندٌ أتى س دونها النأيُ والبُعدُ
وقال العجّاج:
عَهدَ بنيٍّ ما عفا وما دَثَرْ
وقال العدواني:
.....................ولا ... آمن أن تكذبا وأنْ تَلعا
أن تكذبا يقال: يلَع وَلَعاً ووَلْعاً وولعاناً: إذا كذب، ويدلك على أن الصياصي القرون، قول الشاعر:
فأصبحتِ الثيرانُ غرقى وأصبحت ... نساءُ تميم يلتقطن الصَّياصيا
وإنما يلتقطن القرون لينسجن بها.
وقال بعض الرواة: الصياصي شوك الحاكة الواحدة صيصية، وهي مأخوذة من صيصية الديك، وهي شوكة وإبرة في رجله. وهذا قريب معناه مما قدمنا بل هو مثله، وكل ردّ على أبي عمرو.
١٠ - وقال أبو عمرو في تفسيره قول زياد الملقطي:
يلفُّ منها بالخرانيف الغُزرْ ... لفّاً بأخلافٍ رخيّات المَصَرْ
حُمْرِ الذُّرى خراخر بلا حَوَرْ
الخرانيف: السمان الغزار الواحد خِرنفٌ، والخراخر: الكرام الواحد خُرخُور. والمَصْر: أن يمتصرها، يحلبها قليلاً قليلاً، وناقة مصور: إذا كان بها لبن قليل. تقول: هذه ناقة مصور، ويمصرها: يحلب منها شيئاً بعد شيء.
ولم يذكر المصر بالتحريك، وإنما فسر المصْر بالإسكان وهذا سهو منه.
وما يخلو الراجز أن يكون أراد النصر، وهو موضع الصّر بالصّرار فعدل أبو عمرو إلى تفسير المصْر فغلط.
وأما أن يكون أراد المصْر فحرّك فقال: المَصَر، وكان يجب على أبي عمرو أن يبين ذلك فإنهم ربما حركوا المسكّن للضرورة. فمن ذلك قول زهير:
كما استغاث بسيءٍ فزُّ غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحَشَكُ
وإنما هو الحَشْك بالإسكان، وهو اجتماع اللبن، ومنه قول رؤبة:
وقاتمِ الأعماق خاوي المخترقْ ... مُشتَبه الأعلام لمّاع الخَفَقْ
وإنما هو الخَفْق، يقال: خَفَق يخفِق خَفْقاً، ومثله:
وشَفَّها اللوحُ بمأزولٍ ضَيَقْ ... صوادقَ العَقْبِ مهاذيبَ الوَلَقْ
وقد يحرك الساكن إذا كانت القافية موقوفة، قال الراجز:
عَلّمنا أخوالنا بنو عِجِلْ ... الشَّغربيَّ واعتقالاً بالرِّجِلْ
وقال آخر: