للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

للدلالة عليها بالاقتضاء أسلوبٌ من أساليب اللغة كما تقدم، والحكم بأنه مجاز لا دليل عليه يجب الرجوع إليه.

والجواب عن قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [سورة الإسراء: ٢٤]: أن الجناح هنا مستعمل في حقيقته؛ لأن الجناح يطلق لغة حقيقة على يد الإنسان وعضده وإبطه، قال تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [سورة القصص: ٣٢].

والخفض مستعمل في معناه الحقيقي الذي هو ضد الرفع؛ لأن مريد البطش يرفع جناحيه، ومظهر الذل والتواضع يخفض جناحيه، فالأمر بخفض الجناح للوالدين كناية عن لين الجانب لهما، والتواضع لهما، كما قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)} [الشعراء: ٢١٥].

وإطلاق العرب خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب أسلوب معروف، ومنه قول الشاعر:

وأَنْتَ الشَّهيرُ بخفضِ الجناحِ ... فلا تَك في رفْعِه أجْدَلا

وأما إضافة الجناح إلى الذل فلا تستلزم المجاز كما يظنه كثير؛ لأن الإضافة فيه كالإضافة في قولك حاتم الجود، فيكون المعنى: واخفض لهما الجناح الذليل من الرحمة، أو الذلول على قراءة الذل بالكسر.

وما يُذكر عن أبي تمام من أنه لما قال:

لا تَسْقِنِي ماءَ الملام فإنَّنِي ... صبٌّ قد استعذبتُ ماء بكائي

جاءه رجل فقال له: صب لي في هذا الإناء شيئًا من ماء الملام،

<<  <   >  >>