للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

نار وكاد ينفد الصبر، أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم السحب تتوج القمم والآكام، وتفجرت عن الغيث المنعش، حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت به الأقدام، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث الله المطار فضربها حتى اشتدت، وثبتت عليها الأقدام، ولم تمنعهم من السير {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (الأنفال آية ١١) .

وعلى العكس كانت هذه العاصفة ضرراً على المشركين فقد أصابهم منها ما أعجزهم ١ عن التحول فقد كانوا في أرض سبخة، وكانت إبلهم تنزلق، وتخر على الأرض وأرجلها الطويلة ممدودة وراءها في صورة تبعث على الضحك، وكانت قوائم الخيل تغوص في الأرض، وتَعْجِزُ عن إخراجها، ويحاول الفارس تخليصها من الأرض فترتمي عليه الفرس. وساد الاضطراب وعمت الفوضى، وعرقل كل ذلك من سيرهم٢.

والمدد على هذا النحو مدد مزدوج مادي وروحي فالماء في الصحراء مادة الحياة فضلاً عن أن يكون أداة النصر، والجيش الذي يفقد الماء في الصحراء يفقد أعصابه قبل أن يفقد حياته، والتحرج من أداء الصلاة على غير طهور بالماء لعدم وجود الماء، ولم يكن قد رخص لهم بعد في التيمم، ويدخل الشيطان من باب الإيمان، ليزيد حرج النفوس ووجل القلوب، والنفوس التي تدخل المعركة في مثل هذا الحرج وفي مثل هذا القلق تدخلها مزعزعة مهزومة من داخلها.

وهنا يجيء المدد والنجدة {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (الأنفال آية،١١) .

ذلك أن فوق ما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى الملائكة؛ ليثبتوا الذين أمنوا فوق وعدهم بإلقاء الرعب في قلوب الكفار.

وكان النوم قد جافى عيون المؤمنين من شدة الخوف حينما بلغهم أنهم سيقاتلون جيشاً يزيد على عددهم ثلاثة أضعاف سيحاربهم غداً وهو أشد منهم قوة وأعظم عدة، فكان من مقتضى العادة أن يناموا على بساط الأرق والسهاد ويضربون أخماسا في أسداس، ويفكرون فيما سيلاقونه في غدهم من الشدة والبأس، ولكن الله رحمهم بما أنزل عليهم من النعاس،


١ الروض الآنف ٥/٩٧، فقه السيرة ص ٢٣٦، أبو الفداء ٣/٢٦٦.
٢ الروض الآنف ٥/٩٧، فقه السيرة ص ٢٣٦، أبو الفداء ٣/٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>