للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقى الجمعان، وبدأ الهجوم من قبل المشركين إِذ برز الأسود المخزومي وكان معجبا بقوته، وصرخ بحيث يسمعه المسلمون والمشركون قائلاً: "وحق اللات والعزى لأشربن من حوضهم أو لأهْدِمَنَّه، أو لأموتن دونه". وخرج له من صفوف المسلمين حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة ضربةً أطاحت بنصف ساقه، ووقع على ظهره والدم يسيل من رجله، ثم حبا إلى الحوض في مهارة مدهشة، وأسرع نحوه يريد أن يشرب منه، ولكن حمزة أدركه فقضى عليه.

وخرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد فدعا للمبارزة فخرج له ثلاثة إخوة من الأنصار هم: معوذ ومعاذ وعوف. فقال لهم عتبة: من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار, فقال لهم: مالنا بكم حاجة نريد قومنا، يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.

وقيل: إِن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه هو الذي استرجع أولئك الأنصار رغبة منه أن تكون عشيرته أول من يواجه العدو في مثل هذا الموقف. فقال: "قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة بن عبد المطلب، وقم يا علي بن أبي طالب ,قوموا يا بني هاشم فقاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيكم إِذ جاءوا ببطلانهم؛ ليطفئوا نور الله..".

فبارز عبيدة عتبة، وحمزة شيبة وعلي الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وكذلك فعل علي مع خصمه، وأما عبيدة وعتبة فقد جرح كلاهما الآخر فكرَّ حمزة وعلي على عتبة فأجهزا عليه، واحتملا صاحبهما فجاءوا به إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفرشه الرسول عليه الصلاة والسلام قدمه، فوضع خده على قدمه الشريفة، وقال يا رسول الله: لو رآني أبو طالب لعلم أني أحق بقوله:

ونسلمه حتى نصرع دونه ... ونذهل عن أًبنائنا والحلائل

فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: "أشهد أنك شهيد" ثم أسلم الروح١.

بعد هذه المبارزة الفردية التي أثارت العواطف الحربية بين جوانح المحاربين لا يمكن أن يطول انتظار الغزاة، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يعدل جيشه كتفا بكتف في صفوف متلاصقة كالبنيان المرصوص. وأخذ يكبح شكيمة هؤلاء المتعجلين الذين يريدون أن يتقدموا الجميع إلى القتال فيلاقوا مصرعهم دون فائدة تعود على المسلمين، ومن هؤلاء سواد بن غزيَّة، فقد برز من صفه فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح (سهم) كان في يده


١ أبو الفداء ٣/٢٧٩،الروض الأنف ٥/١٠٣، فقه السيرة ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>