للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: "استو يا سواد". فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فَأقِدْني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتصً مني" فقال سواد كيف وقد ضربتني على بطني العريان.

- وهنا يتجلى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إقامة العدل بين أمته، ليبين أنه لا فرق بين حاكم ومحكوم ولا بين الرسول صلى الله عليه وسلم وواحد من قومه في ميزان العدل لنأخذ منه عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة:

فيكشف له الرسول صلى الله عليه وسلم عن بطنه ويقول: "استقد يا سواد"؟ فاعتنقه سواد فقبل بطنه. فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على هذا يا سواد"؟ فقال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك" فدعا له رسول الله بخير ١.

واستشاط الكفار غضبا للبداية السيئة التي صادفتهم فأمطروا المسلمين وابلاً من سهامهم ثم حمي الوطيس، وتهاوت السيوف وتصايح المسلمون أحد أحدٌ. وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكسروا هجمات المشركين وهم يرابطون في مواقعهم وقال: "إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنّبل ولا تحملوا عليهم حتى تؤذنوا". فلما اتسع نطاق المعركة واقتربت من قمتها كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم وألحقوا بهم خسائر جسيمة. والنبي صلى الله عليه وسلم في عريشه يدعو الله سبحانه وتعالى، ويرقب بطولة رجاله وجلدهم قال ابن إسحاق: "خفق النبي خفقة في العريش ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع" ٢.

لقد انعقد الغبار فوق رءوس المقاتلين وهم بين كرٍّ وفرٍّ، جند الحق يستبسلون لنصرة الرحمن، وجند الباطل قد ملكهم الغرور، فأغراهم أن يغالبوا القدر.

فلا عجب إِذا نزلت ملائكة الخير تنفث في قلوب المسلمين روحَ اليقين وتحضهم على الثبات والإقدام.


١ أيو الفداء٣/٢٧١،الروض الأنف ٥/١٠٤.
٢ ابو الفداء ٣/٢٧٦.فقه السيرة ص٢٣٨، الروض الأنف ٥/١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>