للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزل قول الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (الأنفال آية ١٣) .

وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكانه إِلى الناس فحرضهم قائلاً: "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً إِلا أدخله الله الجنة". وأخذ الرسول- صلى الله عليه وسلم- حفنة من حصباء فرمى بها في وجوه القوم وقال: "شاهت الوجوه".

ثم قال لأصحابه: "شدُّوا" ١, فشدُّوا فنزل قول الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الأنفال آية ١٧) .

ولما دنا المشركون قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" والتأميل في الآخرة هو بضاعة الأنبياء. وهل لأصحاب العقائد، وفداء الحق من راحة إلا هناك، وعمل هذا التحريض عمله في القلوب المؤمنة.

فقال عمير بن الحمام الأنصاري: "لا يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض: قال: "نعم". قال: بخ بخ. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ما يحملك على قول: بخ بخ، قال: لا والله يا رسول الله إلاّ رجاء أن أكون من أهلها؟. فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "فِإنك من أهلها".

فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن. ثم قال: "لئن أًنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إِنها حياة طويلة، فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم وهو يقول رضي الله عنه:

ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد

غير التقى والبر والرشاد٢ ...

فما زال حتى قتل رحمه الله٣.

واشتد القتال، وقتل سادات قريش، لأن المسلمين كان هَمُّهم الأكبر هو استئصال سادات قريش، فقد عذبوهم بمكة، وصدوهم عن المسجد الحرام. وقُتل من قُتل، وفرّ من


١ أبو الفداء ٣/٢٨٤.
٢ أبو الفداء ٣/٢٧٧، الروض الأنف ٥/١٠٥-١٠٦،فقه السيرة ص٢٣٩.
٣ أبو الفداء٣/٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>