وكان المسلمون يعلمون أن أبا جهل هو المحرك لكل المؤامرات التي تحاك ضد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاخذوا يبحثون عنه، وتمكن معاذُ بن عمرو من الوصول إِليه وضربه ضربةً أطارت قدمه بنصف ساقه، وأسرع عكرمة بن أبي جهل لإنقاذ أبيه، فضرب معاذاً على عاتقه فطوحت يده....
ثم مر بأبي جهل فتيان من الأنصار وهما ولدا عفراء وهو على فرسه فطعناه حتى هوى عن فرسه واهتم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالبحث عن مصير أبي جهل وأمر أن يلتمس في القتلى فذهب عبد الله بن مسعود للبحث عنه فوجده بآخر رمق، فوضع رجله على عنقه كما يضع الإنسان رجله على أفعى يريد أن يقضي عليه، وتحرك أبو جهل يسأل عن الدائرة اليوم؟. قال:"لله ورسوله", ثم استتلى عبد الله قائلا له:"هل أخزاك الله يا عدو الله؟ " قال: وبماذا أخزاني هل أعمد من رجل قتله قومه؟ وتفرس في عبد الله ثم قال له:"لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم"، فجعل عبد الله يهوي عليه بسيفه حتى خمد. وجزّ رأسه وجاء بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحينما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجه عدوه الدامي قال:"الله الذي لا إله غيره" ثم قال: "هذا فرعون هذه الأمة" ١.
ولقي مثل هذا المصير المفجع أمية بن خلف وغيره من صناديد قريش حتى بلغوا سبعين صنديداً من رؤوس الكفر بمكة دارت عليهم الدائرة، وتجرعوا كؤوس الردى صاغرين, وسقط في الأسر سبعون كذلك, وفر بقية التسعمائة والخمسين يرددون لمن خلفهم أن الظلم مرتعه وخيم، وأن البطر يجر في أعقابه الخزي والعار، وهذا جزاؤهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ويقال لهم:{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}(الأنفال آية ١٤) .
وانتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، والقلة الضعيفة على الكثرة القوية المستعدة.
وسيحدث ذلك في كل معركة بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، لأن الله مع المؤمنين بمعونته وولايته وتوفيقه فمن ذا الذي ينتصر على من كان الله معينه وناصره؟ من يهزم جمعا معه الله.
الجواب على هذا لا أحد إن شاء الله {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد آية٧) .
١ أبو الفداء٣/٢٨٧-٢٩٠ ورواه أبو داود والنسائي بإسنادهما والبخاري ومسلم عن أنس بن مالك. الروض الأنف ٥/١١٣-١١٥ ١٤٢-١٤٥.