للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان هذا بمثابة إنذار لقريش وبيان عقبى طيشها، فقد حاربت الإسلام ولا تزال تحاربه، ونكلت بالمسلمين في مكة ثم ظلت ماضية في غيِّها لا تسمح لأحد من أهل مكة أن يدخل في دين الله، ولا تسمح لهذا الدين أن يجد قراراً في بقعة أخرى من الأرض.

فأحب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشعر زعماء مكة بأن هذه الخطة الجائرة ستلحقُ الأضرار الفادحة بهم، وأنه قد مضى إلى غير عودة ذلك العصر الذي يعتدون فيه على المؤمنين، وهم بمأمن من القصاص، لأن المؤمنين قد تخلصوا من ضعفهم القديم. ذلك الضعف الذي مكن قريشاً من مصادرة حرياتهم، واغتصاب دورهم وأموالهم.

ومن حق المسلمين أن يُعْنَوا بهذه المظاهرات العسكرية على ضآلة شأنها، فإن المتربصين بالإسلام كثروا ولن يصدهم عن النيل منهم إلا الخوف وحده.

وهذا تفسير قوله سبحانه وتعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (الأنفال آية ٦٠) .

وهذا ما عرفته الجيوش الحديثة باسم المناورات العسكرية، والاستعراضات التي تقوم بها بين الحين والحين.

٢- والغرض الثاني رغبته صلى الله عليه وسلم في أن يعقد الصلح والمعاهدات مع القبائل التي تقطن بجوار المدينة، وسيظهر ذلك في خلال الحديث عن هذه السرايا والغزوات التي سأكتفي بذكر بعضها ...

١- في صفر من السنة الثانية من الهجرة خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه بعد أن جمع جموعه من المهاجرين دون الأنصار بعد أن علم أن تجارة لقريش ستمر بطريق الشام، ومضى بجيشه حتى بلغ ودَّان١.

إلا أن عير قريش كانت قد مرت من قبله، فلم يحدث اشتباك، وصالح بني ضمرة وحالفها، وكان بينه وبينها كتاب جاء فيه "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بأنهم آمنوا على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصرة على من رامهم إلا أن يحاربوا في دين الله ما بل بحر صوفة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم إلى لنصره أجابوه. عليهم بذلك ذمة الله، وذمة رسوله".


١ ودّان: قرية جامعة من أمهات القرى من عمل الفرع، وقيل: واد على الطريق يقطعه المصعدون من حجاج المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>