بناء على ما قدمنا من تعريف للقرينة، وبناء على ما قدمنا من قول في الفراسة فيمكن تلخيص الفرق بين القرينة والفراسة في النقاط التالية:
أولا: أن القرينة علامة ظاهرة مشاهدة بالعيان، كمن يرى رجلا مكشوف الرأس وليس ذلك من عادته يعدو وراء آخر هارباً وبيد الهارب عمامة وعلى رأسه عمامة، فهذه قرينة مشاهدة بالعين الحسية ودلالتها كما يقول العلماء واضحة على أن العمامة للرجل مكشوف الرأس، ولا يقال عمن يرى هذه العلامة ويستنتج هذا الحكم إنه متفرس.
ثانيا: أن رؤية القرينة لا تتطلب مواصفات معينة في الرائي، كصدق الإيمان وصفاء الفكر وحّدة الذكاء، وذلك لأن خطوات الاستنتاج فيها ظاهرة واضحة، حتى أن الدقيق منها كتلك التي تقوم على التجارب العلمية لها أسسها وضوابطها وقانونها الذي يسهل الاطلاع عليه ومعرفته، أما الفراسة فهي تتطلب مواصفات معينة في المتفرّس، صدق إيمان أو حّدة ذكاء وصفاء فكر، وذلك لأن خطوات الاستنتاج فيها مستترة خفية.
ثالثا: إنه يمكن أن تقام البيّنة على وقوع القرينة ويتأكد القاضي من ثبوتها ففي المثال المتقدّم قد يشهد اثنان أو أكثر على رؤية الواقعة، أما الفراسة فلا يتوفر فيها ذلك، فلا يستطيع أحد الشهادة عليها وإن صحّ وقوعها على قلب اثنين أو أكثر فتلك حالة نادرة.
رابعا: القرينة قد تصلح دليلاً لبناء الأحكام القضائية ومستنداً للقاضي في فصل النزاع كما سنبين ذلك. أما الفراسة فلا يصح الحكم بها على قول جمهور الفقهاء خلافاً لابن القيم.
القرينة والعرف:
وقبل أن نبيِّن آراء الفقهاء في القضاء بالقرينة نشير إلى ما لاحظناه من ارتباط وثيق بين القرينة والعرف.
والعرف: هو ما تعارف عليه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك, بحيث لا يخالف دليلا شرعيا أو يحلّ حراما أو يبطل واجبا، والعرف بهذا المفهوم قد راعته الشريعة طالما أن