للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاهد الثاني:

إنه لما نشب النزل بين يوسف -عليه السلام- وامرأة العزيز التي قذفته بما قذفته من إرادة الفاحشة، قال يوسف -عليه السلام- مكذبا لها، ودفعا لما نسب إليه، {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} فعند ذلك جاء دور الشاهد الذي وصفه القرآن الكريم بأنه من أهلها والذي فصل الخطاب بما ذكره من القرائن التي بان بها الحق وانفض بها النزاع.

والقرائن التي ذكرها الشاهد هي أنه إذا كان قميص يوسف قدّ من القبل فالمرأة صادقة في دعواها بأنه هو الذي أرادها، أما إذا كان قدّ من دبر فهي كاذبة ويوسف بريء من التهمة. والحاصل أن القميص قدّ من دبر, وهذا دليل إدباره عنها وهو دليل براءته١.

وقد يعترض على العلامة المذكورة إذ أنها لا تدل قطعا على براءة يوسف - عليه السلام - لاحتمال أن الرجل قصد المرأة بطلب الفاحشة فغضبت عليه المرأة فعدت خلفه لتضربه، فعلى هذا الوجه قد يتمزّق القميص من دبر، والمرأة بريئة من الذنب.

وأجيب على هذا الاعتراض بأن القرائن كانت كثيرة وكفيلة بصرف هذه التهمة عنه، أما القرينة المذكورة في الآية إنما جاءت دليلا مرجحا ومقويا لتلك القرائن، ومن هذه القرائن التي ذكرها المفسرون أن يوسف - عليه السلام- كان عبدا في ظاهر الأمر والعبد لا يمكن أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحد، كما أنهم رأوا أن المرأة زيّنت نفسها على أكمل الوجوه، ولم يكن على يوسف -عليه السلام- آثاراً للتزين. ثم إنّ أحوال يوسف -عليه السلام- في المدة الطويلة تدل على براءته إذ لم يروا منه حالة تناسب إقدامه على مثل هذا الفعل المنكر وذلك مما يقوى الظن. وقيل: إن زوج المرأة كان عاجزا وآثار طلب الشهوة في حق المرأة كانت متكاملة٢.

فلما حصلت هذه الأمارات الدالة على أن مبدأ هذه الفتنة كانت من المرأة استحى الزوج وتوقف وسكت لعلمه بأن يوسف هو الصادق والمرأة كاذبة، أظهر الله ليوسف دليلا يقوي تلك الدلائل فجاءت تلك القرينة على لسان الشاهد.

كما اعترض على هذه القرينة من ناحية الشاهد المذكور، فقد اختلفوا فيه فقيل: "إنه كان ابن عم المرأة وكان حكيما يستشره الملك"، وقيل: "إنه طفل تكلّم في المهد". فقالوا: إن كان


١ أحكام القرآن٣/١٠٧٣, تفسير الطبري ١٢/ ١١٦، تفسير الرازي ٥/ ١٧٩.
٢ تفسير الرازي ٥/ ١٧٩، تفسير الخازن ٣/١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>