الثالثة ومنهم من يشم الفاء الضم؛ لأنهم أرادوا البيان، وقد كان في الفاء ضمة فأرادوا أن ينقلوا إليها كسرة العين فلم يمكنهم أن يجمعوا في الفاء الكسرة والضمة فأشموا الكسرة، فصارت الحركة في الفاء بين الضمة والكسرة بمنزلة الحركة في كافر وجائر؛ لأنها بين الكسرة والفتحة، فعلى هذا يكون المراد من الإشمام ها هنا أن يتلفظ حركة بين حركتين ويتبعه أن يتلفظ حرف بين حرفين فيكون ما بعد القاف بين الواو والياء؛ لأن ما ذكروه من تهيئة الشفتين من غير تلفظ كما صرح به السعد التفتازني حيث قال: وحقيقة هذا الإشمام يعني الإشمام في بيع أن تنحو بكسرة فاء الفعل نحو الضمة، فتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا؛ إذ هي تابعة لحركة ما قبلها، وهذا مراد النحاة والقراء لا ضم الشفتين فقط مع كسرة الفاء كسرا خالصا كما في الوقف، ولا الإتيان بضمة خالصة بعد ياء ساكنة إلى ها هنا عبارته، فظهر من ذلك كله أن ما ذكروه غير صحيح "وكذلك بيع" في جواز اللغات الثلاث أصله بيع بضم الباء وكسر الياء فأسكن الياء للخفة، فصار بيع بالضم والسكون ثم صار الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، فصار بوع، وهذه لغة ضعيفة لما مر في قول وفي لغة أعطيت كسرة الياء إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها فصار بيع، وهذا أفصح اللغات الثلاث وهو الإتيان بالياء الخالصة والكسرة، وفي لغة يشم ليعلم أن ما قبلها مضموم في الأصل "واختير" بضم الهمزة وهو يأتي "وانقيد" بالضمة أيضا وهو واوي وإعلالهما ظاهر مما مر وقس عليها نظائرهما، فمن قال قيل وبيع بالياء والكسرة الخالصتين قال اختير وانقيد بالياء الكسرة الخالصتين أيضا، ومن أشم في قيل وبيع أشم فيهما أيضا، ومن قال قول وبوع قال اختور وانقود، وإنما أجرى هذا الباب مجرى الثلاثي؛ لأن أصل اختير اختير بضم التاء بنقطتين من فوق وكسر الياء بنقطتين من تحت فلفظ تير من اختير مثل بيع، وأصل انقيد انقود بضم القاف وكسر الواو للفظ قود من القود مثل قول و"قلن" أصله قولن بضم القاف فأسكنت الواو فالتقى ساكنان الواو واللام فحذفت الواو، فمن قال: قيل كسر القاف وقال قلن بكسر القاف، ومن قال: قول لم يكسر بل أبقى على ضمه فقال قلن بضم القاف "وبعن" أصله بيعن بكسر الياء فأسكنت الياء فالتقى ساكنان فحذفت الياء فبقي بعن بضم الباء فمن قال: بيع بكسر الياء قال بعن بكسر الباء، ومن قال: بوع لم يكسر ويجوز الإشمام فيهما أيضا "يعني يجوز فيهن ثلاث لغات" الياء والياء والإشمام "ولا يجوز الإشمام في مثل أقيم" واستقيم "لعدم ضم ما قبل الباء"؛ لأن أصلهما أقوم واستقوم بسكون القاف وكسر الواو فيهما فنقلت كسرة الواو إلى القاف ثم قلبت ياء لانكسار ما قبلها فيهما فصار أقيم واستقيم، ولما لم يكن القاف مضموما في الأصل لم يجز الإشمام؛ لأن الإشمام إنما هو للدلالة على ضمة ما قبل حرف العلة ولا ضمة ها هنا، وبهذه العلة أيضا لا يجوز أن يتلفظ بالواو ويقال أقوم واستقوم، كما يجوز أن يقال قول، وإلى هذا أشار بقوله: "ولا يجوز بالواو أيضا"؛ أي كما لا يجوز بالإشمام "لأن جواز الواو" في قول وبوع إنما هو "لانضمام ما قبل حرف العلة" في الأصل "وهو"؛ أي انضمام ما قبلها "ليس بموجود" في أقيم إذا قد عرفت أن أصل أقيم أقوم بسكون القاف بخلاف قيل مبيع، فإن الأصل فيهما قبل الإعلال الضم كما عرفته؛ فلذلك حسن الواو والإشمام فيهما دون أقيم واستقيم هذا ولو قال المصنف: ولا يجوز الإشمام والواو لعدم ضم ما قبل الواو لكان أخصر، لكنه فصلهما ولم يلتفت إلى اشتراكهما في الدليل تسهيلا على المبتدي "وسوى في مثل قلن وبعن بين المعلوم والمجهول اكتفاء بالفرق التقديري" وتحقيقه أن أصل قلن إذا كان معلوما قولن بفتحتين كما مر، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتقى ساكنان الواو واللام فحذفت الواو فبقي قلن بفتح القاف، ثم ضم القاف ليدل على الواو المحذوفة، فصار قلن بضم القاف، وإذا كان مجهولا يكون أصله قولن بضم القاف وكسر الواو فاستثقلت الكسرة على الواو فأسكنت فحذفت لالتقاء الساكنين، فبقي قلن بضم القاف فضمة القاف على الأول عارضة لأجل الدلالة المذكورة وعلى الثاني أصلية، وقد عرفت أن كسر القاف لغة في المجهول فلا يلتبس بالمعلوم حينئذ، وما ذكره المصنف من الاستواء على لغة الضم فافهم "وأصل يقال يقول" بضم الياء وسكون القاف وفتح الواو "فأعل كإعلال يخاف" يعني نقلت فتحة الواو إلى القاف الذي قبلها ثم قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار يقال، كما نقلت فتحة الواو إلى ما قبلها ثم قلبت ألفا في يخاف أصله يخوف بسكون الخاء وفتح الواو كما مر، وقس عليه يباع وينقاد ويختار.