"بالنون الثقيلة" حق العبارة أن يقال بالمخاطبة المؤكدة بالنون الثقيلة لكنه تسامح بناء على ظهور المراد "في الصورة" أي في صورة الكتابة لا في التلفظ؛ لأن النون الثقيلة التي تدخل المخاطب مشددة ونون المخاطبة مخففة قوله: "ولا بحذف النون" عطف على قوله: بحركة ما قبل النون، ولفظة لا زائدة لتأكيد النفي؛ أي لم يفرق بينه وبين جمعه على تقدير استتار الياء بحذف النون من المفرد حتى لا يلتبس المخاطبة "بالمذكر" المخاطب؛ فإنك إذا قلت: تضرب لم يعلم أنه مخاطب مفرد أو مخاطبة مفردة، وأيضا يلتبس بالغائبة المفردة، لكنه صرح بالمذكر للمناسبة الخطابية بينهما لنفي ما عداه مع أن المقصود يتم به "وفي المضارع المتكلم" سواء كان وحده أو مع غيره "نحو" أنا "أضرب و" نحن "نضرب" وكذا لم أضرب ولن أضرب ولا أضرب ولم أضرب ولن تضرب ولا نضرب "وفي الصفة" المراد بالصفة ها هنا ما يكون اسما مشتقا وهو أربعة اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل، وإنما سميت صفة لدلالتها على اتصاف الذات بالمصدر، فإن معنى قولك: ضارب مثلا ذات متصف بالضرب؛ يعني يستتر الضمير في الصفة مفردا كان أو مثنى أو مجموعا، مذكرا كان أو مؤنثا "نحو" زيد "ضارب و" زيدان "ضاربان و" زيدون "ضاربون" وهند ضاربة وهندان ضاربتان وهندات ضاربات، وقس عليه سائر الصفات، قال بعض المحققين: وإنما استتر في الصفات؛ لأنها غير عريقة في اقتضاء الفاعل، بل اقتضاؤها له لمشابهتها الفعل فلم يظهر فيها ضمير الفاعل، وقال بعضهم: إنما استتر في الصفات؛ لأن الألف والواو في التثنية والجمع ليسا بضمير كما يجيء، فلو برز الألف في التثنية والواو في الجمع يلزم اجتماع الألفين والواوين فاستتر الألف في المثنى والواو في الجمع المذكورين وكذا استتر النون في ضاربات ومضروبات تبعا للمذكر؛ إذ هو الأصل فإذا استتر في المثنى والجمع كان الاستتار في المفرد أجدر وأولى فيلزم الاستتار في الكل فلا ترى ضميرا بارزا في الصفات وهو المطلوب" ومما يجب أن يعلم أن الصفات كالجوامد الخالية عن الضمير من حيث إنها لا تتغير عند تبديل ضمائرها غيبة وخطابا وتكلما فالمستتر فيه جاز أن يكون غائبا ومخاطبا ومتكلما، فيجوز أن يقال: زيد ضارب وأنت ضارب وأنا ضارب وكذا في التثنية والجمع، فإن قلت: لِمَ لَمْ يذكر المصنف الظروف والجار والمجرور وأسماء الأفعال مع أن الضمير المرفوع المتصل يستتر فيها؟ قلت: إنما لم يذكرها؛ لأن نظره مقصور على المشتقات كما أشرنا إليه في صدر الكتاب، وهذه الثلاثة ليست منها "واستتر في المرفوع" أي وقع الاستتار في الضمير المرفوع "دون" الضمير "المنصوب والمجرور؛ لأنه بمنزلة جزء الفعل" يعني لا يستتر من المضمرات إلا المرفوع؛ لأن المنصوب والمجرور فضلة في الكلام فإنهما مفعولان والمرفوع فاعل، والفاعل كالجزء من الفعل كما مر فيكون أشد اتصالا وامتزاجا فاستتر هو دونهما. ولما فرغ من تعداد مواضع استتار المرفوع المتصل شرع في بيان علة استتارة في تلك المواضع فقال: