للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[شرح ديكنقوز]

رب في مثل قول الشاعر: فمثلك" أي فرب مثلك فحذف رب وأعطى للفاء عمله وهو الجر، وقوله: "حبلى" صفة مثل: "قد طرقت" أي طرقتها؛ أي أتيتها ليلا قوله: "ومرضع" أي ذات رضيع عطف على حبلى "فألهيتها" أي أشغلتها "عن" صبى لها "ذي تمائم" جمع تميمة وهي التعاويذ التي تعلق في عنق الصبى حفظا من إصابة العين، وقوله: "محول" أي أتى عليه حول كامل صفة ذي ولم يقل محولا لئلا يلتبس بما اشتق من الحوالة؛ أعني المحيل، وفي وصف تلك النساء بالحبل والإرضاع، وفي وصف الصبى بكونه ذي تمائم وذي حول وذي تمائم إشارة إلى كمال ميل النساء إليه، أما في الوصف بالحبل والإرضاع فظاهر، وأما في وصف الصبى بذي تمائم؛ فلأن التميمة إنما تجعل في عنق الصبي إذا كان في غاية الحسن وخيف عليه من إصابة العين، وأما في جمع التميمة؛ فلأن أهله لا يرضون ولا يكتفون بتميمة واحدة أو تميمتين لفرط محبتهم، وأما في الوصف بالمحول؛ فلأنه في تلك الحال يظهر منه الكلمات اللطيفة اللذيذة والحركات المرغوبة الشهية ما لم يظهر قبلها ولا يظهر بعدها فيكون محبوبا في القلوب أكثر مما كان قبلها وبعدها "و" أما "عند البصريين فهو" أي أمر المخاطب بغير اللام "مبني" على السكون "لأن الأصل في الأفعال البناء"؛ لأن المعاني الموجبة للإعراب؛ أعني الفاعلية والمفعولية والإضافة منتقية عنها فوجب أن تبنى، وهذا خلاف لا تظهر ثمرته إلا في إطلاق المجزوم على أمر الغائب، وإطلاق الجزم على سكونه، وفي إطلاق الموقوف على أمر المخاطب، وإطلاق الوقف على سكونه "وإنما أعرب المضارع" مع كونه من الفعل "لمشابهة" تامة "بينه وبين الاسم" كما مر فلا ينتقض بالماضي، وإنما بني الماضي على الحركة لمشابهة بينه وبين الاسم في الجملة؛ أعني وقوعه صفة للنكرة كما مر "و" لما "لم تبق المشابهة" بوجه من الوجوه "بينه" أي بين الاسم "وبين الأمر" للمخاطب "بحذف حرف المضارعة" لا في الحركات ولا في السكنات وهو ظاهر ولا في وقوعه صفة للنكرة ولأنه صار إنشاء الإنشاء لا يقع صفة إلا بتأويل بني على السكون الذي هو أصل في البناء "ومن ثمة" أي ومن أجل أن البناء لأمر المخاطب إنما هو بعدم بقاء المشابهة بحذف حرف المضارعة حكم بأنه معرب فيما لم يحذف منه حرف المضارعة حتى "قيل فلتفرحوا معرب بالإجماع" من الفريقين "لوجود علة الإعراب وهي حرف المضارعة وزيدت في آخر الأمر" مطلقا غائبا كان أو مخاطبا معروفا كان أو مجهولا "نونا التأكيد"


[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"في قول الشاعر: فمثلك" بكسر الكاف وجر اللام؛ لأن الفاء عمل عمل رب فتقديره فرب مثلك؛ أي رب امرأة تلك "حبلى" وهي امرأة ذات حمل وهو مجرور تقديرا على أنه صفة؛ لأن المثل لا يتعرف بالإضافة لتوغله في الإبهام كما بين في النحو "قد طرقت" طرق بمعنى جاء ليلا من باب دخل وضمير المفعول محذوف راجع إلى حبلى؛ أي طرقتها بمعنى جئت إليها ليلا، وهو عامل رب المقدر قوله: "ومرضع" عطف على حبلى؛ أي امرأة لها ولد ترضعه فإذا وصفتها إرضاع الولد مرضعة "فألهيتها" أي أشغلتها الضمير يرجع إلى حبلى وإلى مرضع باعتبار كل واحدة منهما "عن ذي تمائم" أي عن صبي ذي تمائم والتمائم جمع تميمة، وهي تعاويذ تعلق على صدر الإنسان، وقد نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: "من علق تميمة فلا أتم الله له" وقيل: هي خرزة، وأما المعاذات إذا كتب فيه القرآن وأسماء الله تعالى فلا بأس بها "محول" اسم فاعل من أحال؛ أي أتى عليه حول كامل وهو صفة ذي تمائم والبيت للهجاء فحاصل كلامهم أن حرف المضارعة مقدر في أمر المخاطب فيكون معربا به، واللام مقدرة أيضا فيكون مجزوما به، فهم لا يفرقون بين المقدر والملفوظ، وقد أجاب الزمخشري عنه فقال الكوفيون هو مجزوم بلام مقدرة، وهذا خلف من القول؛ لأن حرف المضارعة هو علة الإعراب فانتفى بانتفائه كانتفائه في الاسم بانتفاء سببه، فإن زعموا أن حرف المضارعة مقدر فليس بمستقيم؛ لأن حرف المضارعة من صيغة الكلمة كالميم في اسم الفاعل فكما لا يستقيم تقدير الميم فكذا تقدير حرف المضارعة، وهذا حاصل ما ذكره المصنف بقوله: "وعند البصريين" إلى آخر الدليل يعني أمر المخاطب المعلوم عند البصريين "مبني" على السكون لا معرب مجزوم؛ لأن الأصل في الأفعال "البناء" لعدم توارد الفاعلية والمفعولية الإضافة عليها وأصل البناء السكون "وإنما أعرب المضارع منها لمشابهة" تامة عارضة "بينه وبين الاسم" كما مر وبني الماضي على الحركة لقلة المشابهة "ولم تبق المشابهة" أصلا "بين الأمر" المخاطب "وبين الاسم وبحذف حركة المضارعة منه" فرجع إلى أصل بنائه الذي هو السكون، لكنه يعامل معاملة المجزوم في إسقاط الحرف من المفرد الصحيح، نحو: اضرب كما يقال: لم تضرب، وفي إسقاط الحركة من الناقص والأجوف، نحو: ارم وقل كما يقال: لم ترم ولم تقل، وفي إسقاط النون في التثنية والجمع والمفرد المؤنث، نحو: اضربا اضربوا اضربي كما يقال: لم تضربا لم تضربوا لم تضربي، قال الفاضل الرضي: والذي غر الكوفيين حتى قالوا: إنه مجزوم والجازم مقدر معاملة آخر معاملة المجزوم "ومن ثم" أي ومن أجل أن حروف المضارعة سبب الإعراب وجودا وعدما "قيل فلتفرحوا معرب" مع أنه أمر المخاطب "بالإجماع لوجود علة الإعراب وهي حرف المضارعة" ولما فرغ من بيان نفس صيغة الأمر وكيفية أخذه من المضارع شرع فيما يتعلق به وبما يناسبه في كونه طلبا من اتصال نوني التوكيد وكيفية بناء آخره عند اتصالهما فقال: "وزيدت في آخر الأمر" مخاطبا كان أو غائبا معلوما كان أو مجهولا "نونا التأكيد" إحداهما مثقلة متحركة والأخرى مخففة

<<  <   >  >>