وبين الأول بقوله "ولا يجيء" بناء أفعل "لتفضيل المفعول" بعد بنائه لتفضيل الفاعل "حتى لا يلتبس" تفضيل المفعول "بتفضيل الفاعل، فإن قبل لم لا يجعل الأمر على العكس حتى لا يلزم الالتباس" بين تفضيل الفاعل وتفضيل المفعول "قلنا جعله"؛ أي التفضيل "للفاعل أولى" من جعله للمفعول؛ يعني أنهم لو جعلوه مشتركا لالتبس أحدهما بالآخر لاطراده فأرادوا جعله لأحدهما دون الآخر لدفع الاشتباه، فوجدوا جعله للفاعل أقيس وأولى من المفعول "لأن الفاعل مقصود في الكلام"؛ أي لا يفيد الكلام بدونه لكونه مسندا إليه "والمفعول فضلة" في الكلام لإفادته بدونه، فإن قلت: المراد من الفاعل الذي بني أفعل لتفضيله صيغة الفاعل مثل: ضارب والفاعل الذي هو مقصود في الكلام هو الفاعل في الإعراب، وهو ما أسند إليه الفعل مقدما عليه مثل: زيد في قولنا: ضرب زيد فكم بين المعنيين فلم يلزم من كون الثاني مقصودا في الكلام كون الأول كذلك؛ إذ يجوز أن يقال: قتلت الضارب بجعل ضارب مفعولا وفضلة في الكلام، وكذا المفعول الذي هو فضلة في الكلام هو المفعول في الإعراب لا المفعول في الصيغة؛ إذ يجوز أن يقال: جاءني المضروب بجعل المضروب فاعلا، قلت: المراد أن الفاعل في الإعراب لما كان مقصودا والفاعل في الصيغة عليه هو الدال عليه كان مقصودا أيضا وكذا المفعول في الإعراب لما كان فضلة والمفعول في الصيغة هو الدال عليه كان فضلة أيضا، والضارب في قولنا: قتلت الضارب مفعول بالنسبة إلى قتلت فهو مقتول المتكلم، وإن كان بالنسبة إلى الضرب فاعلا والمضروب في قولنا: جاءني المضروب فاعل بالنسبة إلى جاءني فهو جاء، وإن كان مفعولا بالنسبة إلى الضرب "وأيضا يمكن التعميم في" قسم "الفاعل"؛ لأنه لا مفعول إلا وله فاعل في الأغلب، وإنما قلنا في الأغلب احترازا عن نحو مجنون ومبهوت "دون" قسم "المفعول"؛ إذ لا يقال لا فاعل إلا وله مفعول لعدم مجيء المفعول من الفعل اللازم، فلو جعل التفضيل للمفعول لبقي الفاعل مع كونه مقصودا في الكلام وأكثر وأعم من المفعول خاليا عن معنى التفضيل، وهو معنى القياس وترك الأولى لاستلزامه أن يبقى كثيرا من الأفعال بلا تفضيل كما نقل عن سيبويه، ولما بين أن أفعل لا يجيء من المزيد فيه ولا من عيب ولا لتفضيل المفعول، وكان يرد على كل واحد من هذه الأحكام الثلاثة النقض بأمر ينافيه أشار إلى الجواب عنه فقال "و" نحو "أشغل من ذات النحيين" حال كونه "لتفضيل المفعول" وكذا أشهر وأعذر وألوم، وهذا إشارة إلى ما يرد على الحكم الثالث، ومعنى أشغل من ذات النحيين أشد مشغولية من امأة ذات النحيين والنحي بالكسر زق السمن، قيل: هي امرأة من بني تميم كانت تبيع السمن فأتاها ضراب بن جبير الأنصاري يبتاع منها سمنا فلم ير عندها أحدا "و" نحو "هو أعطاهم" للدينار "وأولاهم" للمعروف حال كونهما "من الزوائد" من باب الأفعال وكذا أنت أكرم لي من فلان، وهذا إشارة إلى ما يرد على الحكم الأول، وإنما حكموا بأنهما من الزوائد لعدم بناء الثلاثي منهما؛ إذ لا يقال عطى وولى "و" نحو "أحمق من هبنقة" حال كونه "من العيوب" الباطنة، وهذا إشارة إلى ما يرد على الحكم الثاني، فإن قلت: لِمَ حكمت أن أحمق ها هنا لتفضيل الفاعل فلم لا يجوز أن يكون صفة مشبهة؟ قلت: استعماله بمن يدل على أنه للتفضيل وهبنقة اسم رجل حكي في حماقته أنه اتخذ لنفسه طوقا من عظام ليعرف به نفسه، وفقد وأصبح ذات يوم ورأى ذلك الطوق على أخيه، فقال: يا أخي أنت أنا فمن أنا "شاذ"؛ أي كل ذلك من الأمور الثلاثة خارج عن القياس ففي الكلام لف ونشر غير مرتب فافهم. واعلم أن شرط أفعل التفضيل أن يبنى من الثلاثي المجرد الذي جاء من فعل تام غير لازم للنفي متصرف قابل معناه للكثرة، فقولنا: جاء منه فعل احترازا عن أيد وأرجل من اليد والرجل؛ فإنه لم يثبت، وقولهم: أحنك الشاتين؛ أي آكلهما من الحنك وأول شاذ، وقولنا: تام احتراز عن الأفعال الناقصة ككان وصار فإنه لا يقال أكون وأصير، وقولنا: غير لازم للنفي احتراز عن مثل ما نبس بكلمة؛ أي ما تكلم؛ فإنه لا يقال هو أنبس منك؛ لئلا يصير مستعملا في الإثبات، وقولنا: متصرف احتراز عن نحو: نعم وبئس وليس، وقولنا: قابل معناه للكثرة احتراز عن نحو: غربت الشمس وطلعت، فلا يقال الشمس اليوم أغرب منها أمس، وهذه الشروط غير ما ذكره المصنف، وقد ذكرها الفاضل الرضي. ولما فرغ من بيان صيغة الفاعل القياسي مع ما يتعلق به من الصفة المشبهة وأفعل التفضيل شرع في الفاعل الغير قياسي فقال: