أولاً: الأسانيد إنما تطلب للمتون، فهي الطريق الموصل إلى المتن، فإذا صح المتن وثبت فترتب الأثر على الإسناد في إثبات الغاية وهي صحة المتن وثبوت نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبمعنى آخر هو سؤال يكثر بين طلاب العلم: هل المهم في مثل هذه الظروف العناية بالرواية أو بالدراية؟ هل العناية أولى أو بالدراية؟ أما بالنسبة لما صح من الكتب كالصحيحين مثلاً فعلى طالب العلم أن يعنى بالاستنباط منهما، وحفظ أحاديثهما ودراستها دارسة المتون، فالعمر لا يستوعب أن تدرس جميع الأسانيد على الطريقة المطلوبة المؤدية إلى الاجتهاد، العمر لا يستوعب، فإذا أراد طالب العمل أن يدرس أحاديث الكتب الستة مثلاً، الكتب الستة كم فيها من راوي؟ فيها أكثر من اثني عشر ألف راوي، وغالب الرواة فيه اختلاف كثير، يعني منهم من اتفق على توثيقه، ومنهم من اتفق على تضعيفه، وهؤلاء لا يكلفون شيء، الأمر فيهم سهل، لكن جمع غفير منهم يزيدون على النصف هم بحاجة إلى عمر تام لدراستهم، أعني مجرد الرواة، وكل راوي فيه من الأقوال المتعارضة المتضاربة في بعضهم عشرين قول، وأنت بحاجة إذا أردت الاجتهاد في كل راويٍ راوي أن تنظر في جميع هذه الأقوال، وفي ثبوتها عن قائليها، وتوازن بينها على ضوء القواعد، وترجح وتعمل بالقول الراجح، انتهيت من راوي من الكم الهائل من الرواة ثم تحتاج إلى دراسة راوي ثاني ثم ثالث ثم تعود إلى الرواة الذين درستهم ما وضع هذا الراوي مع من روى عنه؟ فقد يختلف حكمه في روايته عن شخص عن حكمه في روايته عن شخص أخر، فالمسألة ليست بالسهلة يا الإخوان، تحتاج إلى عمر طويل، لكن طالب العلم يتمرن ويتدرب بحيث تكون له أهلية النظر، بمعنى أنه إذا احتاج إلى دراسة إسناد أشكل عليه فإنه يستطيع الوصول إلى القول الصحيح بنفسه، أما أن يدرس كل حديث حديث يمشي على أحاديث الكتب الستة ويدرس أسانيدها على الطريقة المشروحة، على الطريقة التي شرحت هذه تأخذ من العمر الشيء الكثير بحيث يضيق هذا العمر على الاستنباط الذي هو الغاية من معرفة النصوص، هو الغاية من معرفة النصوص الاستنباط والعمل، فالعناية بالرواية جانب مهم لطالب العالم، لكن لا ينبغي أن يأخذ عليه جهده