شرح نظم:(اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون)(١)
شرح مقدمة النظم (الأبيات الأولى)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا يخفى على من حضر فضل العلم الشرعي، وما أعده الله -جل وعلا- من ثوابٍ عظيم لحملته، بل لمن سعى في طلبه ولو لم يدركه، فجاء في الحديث:((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) مجرد أن يسلك الإنسان الطريق يثبت له إن كان مخلصاً لله -عز وجل- هذا الموعود الصادق، فإذا كان العلم يؤثر في الحيوانات، بل في أخسها، فماذا عن مسلم مؤمن يبتغي بهذا العلم وجه الله والدار الآخرة؟! الأمر في غاية الأهمية، ومقابله في غاية الخطورة؛ لأن العلم الشرعي ويراد به ما يعتمد على الوحيين من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك، فمن تعلم ليقال: عالم هذا مصيره أن يكون أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، ولو قيل: إنه عالم، ولو تبوأ منزلة بين الناس، ولو تبوأ المنازل والمناصب بين الناس؛ ليستوفي حقه في الدنيا، ويدخر له العذاب يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، والعلم الذي جاءت النصوص بمدحه ومدح حامليه هو العلم الشرعي، والعلم الشرعي المعتمد على الوحيين، أما ما سواه من العلوم فهو كغيره مما يعانيه الناس من أمور دنياهم، إن احتسب به نفع المسلمين أُجر عليه كما يؤجر الصانع والمزارع وغيرهما، وإن خلى عن النية فلا له ولا عليه، وهذا بخلاف هذا العلم الذي هو في الحقيقة عبادة، بل من أجل العبادات، ولذا يقرر أهل العلم في أبواب صلاة التطوع يرتبون ما يتطوع به العبد بعد الفرائض، ويجعلون العلم وطلب العلم ومدارسة العلم في رأس القائمة، والمراد به علم الوحيين الكتاب والسنة.
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتلقون العلم من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة ودون وسائط، فلا يحتاجون إلى وسائل تعينهم على فهم الكتاب والسنة، فلما وجدت الوسائط بين من ينشد العلم ويطلبه وبين مبلغه عن ربه -عليه الصلاة والسلام- احتيج إلى مثل هذه الوسائل.