في القرن الأول والثاني العهد قريب، والقرائح باقية، والفطر على ما كانت عليه، ثم لما وجدت الحاجة إلى أن يؤلف في علوم الوسائل إلى المقصد الأصلي وهو علم الوحيين هذه الحاجة أوجدت هذه العلوم، فألف الناس في العقائد وبيان العقيدة الصحيحة المتلقاة من كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يبين ذلك من أقوال الصحابة والتابعين لما وجد المخالف في هذا الباب فبينت هذه العقائد ودونت فيها الكتب حمايةً للمسلمين، ورداً على المخالفين.
بَعُد العهد، واختلط العرب بغيرهم، فاحتاجوا إلى ما يعينهم على فهم كلام الله -عز وجل-، فألفت التفاسير، كثرت الوسائط بين الناس وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، فاحتيج إلى أن تبحث أحوال هذه الوسائط جرحاً وتعديلاً، واحتيج أن يصنف في قواعد من قبل أهل العلم تضبط ما يقال في هؤلاء الرواة من جرح وتعديل، فالحاجة أوجدت هذه العلوم، والعلماء أدوا ما عليهم في خدمة الكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، واحتيج أيضاً إلى تدوين أقوال سلف هذه الأمة في القضايا والنوازل ليفاد منها في كيفية التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، فألفت كتب الفروع، ووجدت القواعد والضوابط والأصول التي يستعين بها طالب العلم في كيفية التعامل مع النصوص، فألفت بقية العلوم لتخدم الكتاب والسنة.
وهذا العلم أعني علم مصطلح الحديث من هذا النوع، وألف للتوصل به وبواسطته إلى معرفة المقبول والمردود مما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكان موضوعه الأسانيد والمتون الذي نظم فيهما هذا النظم الذي بين أيدينا.
هذا الكتاب الذي معنا كتابٌ جامع متوسط لم يكن اختصاره مخلاً كالبيقونية وغرامي صحيح وغيرهما، ولم يكن مطولاً كالألفيات وغيرها مما زاد عليها.