قد يقول قائل: هذا نظم وجاءت النصوص بذم الشعر فكيف نتقرب إلى الله -عز وجل- بما جاء ذمه في النصوص؟ {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [(٢٢٤) سورة الشعراء]؟ وجاء في الصحيحين:((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً)) هذا ذم للشعر، لكنه محمولٌ عند أهل العلم على من امتلأ جوفه وذهنه وحافظته من هذا النوع من الكلام، وإذا امتلأ إذا امتلأ هذا الظرف وهذا الوعاء فإنه لن يكون لما أمر به من حفظٍ للكتاب والسنة من كلام الله -عز وجل- وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- لن يكون له مكان، فمن كان ديدنه الشعر حتى يمتلئ بحيث لا يستطيع أن يستوعب غيره معه يرد فيه مثل هذا الحديث.
وبعض أهل العلم حمل هذا الحديث، وما جاء في معناه على الشعر المذموم، ولا شك أن الشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- الشعر، أنشد العشر بين يديه -عليه الصلاة والسلام-، استمع للشعراء، وأمر حساناً بأن يهجو الكفار، فدل على أن الشعر إذا خلى مما ذكر فإنه يكون من قبيل المباح، ثم إذا اشتمل على هذا الشعر على ما ينفع من دفاعٍ عن الإسلام وأهله يرد فيه نحو:((اهجهم وروح القدس)) أيش؟ ((تؤيدك)) يكون مأموراً به، إذا كان فيه بيانٌ للدين، ودفاعٌ عنه، وردٌ على المخالفين يكون مما أمر به.
كانت البدايات في نظم العلوم ضعيفة، ومقتصرة على التواريخ والأدب، وأنا دونت بعض من نظم في التواريخ من الأوائل:
أبان بن عبد الحميد اللاحقي المتوفى سنة مائتين نظم في الأدب والأخلاق كتاب:(كليلة ودمنة)، ونظم في التاريخ:(سيرة أنو شروان) و (سيرة أردشيه) جاء بعده بشر بن المعتمر الهلالي المعتزلي المتوفى سنة عشرٍ ومائتين فنظم قصيدة يقال: إنها في أربعين ألف بيت، رد فيها على جميع المخالفين لاعتقاده، جاء بعده علي بن الجهم القرشي المتوفى سنة تسعٍ وأربعين ومائتين فنظم أرجوزة تاريخية ذكر فيها تاريخ الخلق منذ آدم -عليه السلام- حتى الخليفة المستعين بالله.