جاء بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن المعتز المتوفى سنة ستٍ وتسعين ومائتين فنظم أرجوزته في تاريخ الخليقة، بل في تاريخ الخليفة المعتضد وغيره، وتقع في عشرين وأربعمائة بيت، ثم جاء ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد المتوفى سنة ثمانٍ وعشرين وثلاثمائة فنظم أرجوزة تاريخية في مغازي عبد الرحمن الناصر، ورتبها على السنين، وتقع في خمسةٍ وأربعين وأربعمائة بيت، وأرجوزة أخرى في العروض تقع في ثلاثةٍ وتسعين وثلاثمائة بيت.
استمر الحال على ذلك الضعف إلى أن جاء العصر العباسي الرابع الذي يبدأ من سنة سبع وأربعين وأربعمائة وينتهي بسقوط بغداد بالكارثة الأولى سنة ستٍ وخمسين وستمائة، فتغيرت حال الشعراء عما كانوا عليه، وانصرفت القرائح إلى نظم العلوم الشرعية، فأودعوا علومهم في قصائد طويلة تارةً، وقصيرة تارة أخرى ليسهل حفظها وتذكرها، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداً.
من أطول هذه القصائد مما وجد قصيدة ابن عبد القوي نظم ابن عبد القوي -رحمه الله- للمقنع المسمى:(عقد الفرائد) وهذه طويلة جداً (عقد الفرائد وكنز الفوائد) مطبوع في مجلدين، تزيد أبياتهما على اثني عشر ألف بيت، وهذه المنظومة لا شك أن فيها ضبط لفقه الحنابلة على طولها، ولا مانع أن يعتني بها طالب العلم كما يعتني بغيرها من كتب الفقه، يقرأها قراءة، فإذا وجد بيتاً يشتمل على فائدة نادرة أو ضابط يمكن أن يحفظه فهو أحسن من النثر.
نونية ابن القيم تذكر في هذا المجال، وهي نونية منظومة نافعة، عظم نفعها، بلغت في عدِّ خمسة آلاف وثمانمائة وعشرين بيت، والألفيات في كل علم أشهر من أن تذكر، هناك ألفية ابن مالك، وهناك ألفية العراقي، وألفية السيوطي، ألفيات كثيرة، ألفية في الفرائض، وألفية في الفقه.
هناك المختصرات، المنظومات المختصرة التي عم نفعها كالرحبية في الفرائض، البيقونية على اختصارها في المصطلح، ونظم الآجرومية، ونظم الورقات وغير ذلك من المنظومات التي لا ينكر نفعها، فهذه منظومات مهمة.
والنظم كما عرفنا يقابل النثر، ومنه نظم العقد، وجمعُ مفرداته في خيطٍ واحد، كما أن النظم نظم الكلام جمعُ كلمات البيت الواحد في عقدٍ واحد وهو البيت، بل في عقود وهي الأبيات.