لا بد من الحفظ والضبط، إذا كانت العدالة منصوصاً عليها {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [(٢) سورة الطلاق] فالضبط وحفظ الأخبار لا بد منه للقبول؛ لأن الذي لا يحفظ الخبر لا يعتمد عليه، لا يؤمن أن يخطئ، لا يؤمن أن يزيد وينقص، ولذا اشترطوا الحفظ، وجعلوا الحفظ أحد ركني التوثيق بعد العدالة، فالثقة من جمع بين العدالة والحفظ، والضبط هو أخذ المسموع أو أخذ المروي بحزم وتيقظ وإتقان منذ سماعه إلى أن يؤدي، والأصل في الحفظ حفظ الصدر إذ كانت الكتابة غير معروفة عند صدر هذه الأمة إلا في القليل النادر، بل جاء النهي عن الكتابة في أول الأمر من حديث أبي سعيد:((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه)) لئلا يعتمد الناس على الكتابة فيختل الحفظ، وهذا أمر مشاهد معروف من أعتمد على الكتابة نسي الحفظ، فخشية من أن يعتمد عليها وينسى الحفظ الذي هو الأصل نهي عن الكتابة في أول الأمر، وخشية أن يختلط غير القرآن به، يخشى أن يكتب بعض الناس السنة في صحف القرآن فيختلط به، ثم بعد ذلك جاءت النصوص التي تدل على جواز الكتابة:((اكتبوا لأبي شاه)) وأبو هريرة يقول: "ما كان أحد أحفظ مني من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" وهذا على حسب ظنه، فالضبط كما يقول أهل العلم ضبطان: ضبط صدر وضبط كتاب، فضبط الصدر هو الأصل بأن يحافظ على ما سمعه وحفظه بحزم وقوة وإتقان إلى أن يؤديه، وضبط الكتاب بأن يكتب من أصل شيخه أو من إملاء شيخه، ويقابله بعد الكتابة ويحفظه، يحفظه فلا يعيره إلا إلى ثقة خشية أن يغير فيه، ومنع بعضهم من الرواية من الكتاب وهذا القول ينسب لأبي حنيفة ومالك؛ لأن الأصل في الحفظ الصدر وأجازه الأكثر، بل فضله بعضهم -يعني حفظ الكتاب- على حفظ الصدر؛ لأن الحفظ خوان، وإذا كان الكلام مكتوباً أومن من نسيانه، ولا يشك في أن الأصل حفظ الصدر، وعلى طالب العلم أن يُعنى بالحفظ والضبط والإتقان في صدره، ولا يعتمد على الكتابة، وهذا شيء مشاهد مجرب كان الناس يحفظون ثم لما أُذن في الكتابة وتوسع الناس فيها ضعف الحفظ، وإلا فقد يقول قائل: هل الصحابة لهم مزية