للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وازداد الأمر ضعف بعد أن اعتمد الناس على الكتابة وضعفت الحافظة، لكن الكتابة ومعانات الكتابة وسيلة من وسائل تثبيت الحفظ، لما كان الناس يكتبون الكتب بأيديهم الكتابة عن قراءة النص عشر مرات كما هو مجرب، لكن كتابة بحضور قلب، ظهر الآلات، وصار الطالب إذا أراد شيئاً صوره، وإذا أراد كتاباً اشتراه جاهز مطبوع، وظهر أثر ذلك على التحصيل، ثم بعد ذلك ظهرت الحواسب والكمبيوترات، إذا أراد الطالب أي معلومة في أي فن من الفنون ضغط زر وخرجت هذه المعلومة، ولا شك أن أثر هذا على التحصيل ظاهر وبين؛ لأن الذي يعتمد على هذه الآلات لن يدرك علماً، قد يدرك حكم المسألة في هذا الظرف، لكن هذه المسألة دخلت بسرعة وتخرج بسرعة، إضافة إلى أن الطالب إذا أراد بحث مسألة في كتاب أو في كتب عرف عشرات المسائل وهو في طريقه وبحثه عن هذه المسألة، فلا شك أن هذه الآلات مع أنها نعم تقرب العلوم إلا أنها لا يعتمد عليها ولا يربى عليها طالب علم، فإذا طلب العلم من وجهه، وتمكن فيه له أن يستفيد من هذه الآلات، أو ضاق عليه الوقت بحيث لا يتمكن من النظر التام في المسألة أو في درجة حديث، أو في نسبة قول إلى قائله، ضاق عليه الوقت لا مانع من أن يستفيد من هذه الآلات، المقصود أن الحفظ كلام أهل العلم فيه كثير، ولا علم إلا بحفظ، الدعاوى التي تقول: إن الحفظ يبلد الذهن هذه دعاوى مغرضة ومناوئة، نعم أشيعت قبل ثلاثين وأربعين سنة أو خمسين سنة، أول ما بدأ التعليم النظامي، وجاء الوافدون للتعليم أشاعوا هذه الأمور وتلقوها عن شيوخهم من المستشرقين وغيرهم؛ ليصرفوا المسلمين عن العلم الشرعي الأصيل، نعم العلوم التجريبية المعتمدة على الفهم والفك والربط ما تبغي حفظ، يعني لو إنسان ذهب إلى المكتبة يريد كتاب تعليم قيادة السيارة وأخذ يردده وديدنه إذا صلى الفجر كل يوم أخذ له حزب من هذا الكتاب أفضل وإلا يمسك السيارة ويشغل ويمشي؟ هذه علوم تجريبية ما تحتاج إلى حفظ، لكن الذي لا يحفظ القرآن كيف يستدل بالقرآن؟ الذي لا يحفظ السنة كيف يستدل من السنة؟ علومنا لا بد لها من الحفظ، أما دعاوى أن الحفظ يبلد الذهن فهي دعاوى مناوئة ومغرضة تريد صرف المسلمين عن مصادرهم؛ ليخرج لنا

<<  <  ج: ص:  >  >>