نظير هذه الدعوى وهي صادرة من أناس -نحسبهم والله حسيبهم- من أهل الغيرة على هذا العلم، نظير هذه الدعوى أو الدعوة إلى الاجتهاد والاعتماد على النصوص من الكتاب والسنة ونبذ كتب الفقه، والكتب التي تعين على فهم كتب أهل العلم من باب أولى من كتب أصول الفقه وغيرها.
المتأخرون الذين قعدوا وألفوا في قواعد الحديث ومصطلح الحديث، وفي أصول الفقه، وفي علوم القرآن، وقل مثل هذا في علوم الآلة كلها، إنما اعتمدوا في تقعيدهم على كلام المتقدمين مع تطبيق كلامهم النظري على مواقع استعمالهم العملي، فلم يأتوا بشيء جديد من عندهم.
نعم المتأخرون جعلوا هذه القواعد مطردة، والمتقدمون لا يعرف عنهم قواعد مطردة، لا سيما في المسائل العملية، في تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع، والحكم بالعلة والشذوذ، وأيضاً زيادة الثقة وغيرها.
المتقدمون يحكمون بالقرائن، والمتأخرون ألفوا في هذا العلم وقعدوا قواعد مطردة، كلٌ على حسب ما ترجح له من كلام المتقدمين، فمنهم على سبيل المثال من يقول: تقبل زيادة الثقة مطلقاً لأنها زيادة، ويؤيد كلامه بكلام المتقدمين، ويذكر لهذا الكلام أمثلة كثيرة من صنيع المتقدمين، ومنهم من يقول: لا تقبل مطلقاً، ويذكر أمثلة يستدل بها من صنيع المتقدمين على ما ذهب إليه.
أقول: الدعوة التي صدرت للتقليل من شأن كتب المتأخرين، أو لإعادة النظر في كتب المتأخرين صدرت من أناس قد تأهلوا، وألقيت هذه الدعوة على مبتدئين، كما قيل قبل ربع قرن أو أكثر من الزمان بنبذ كتب الفقه، والأخذ مباشرة من الكتاب والسنة، كيف نعتمد على أقوال البشر هم رجال ونحن رجال والنصوص عندنا؟ نقول: يا أخي كلامك صحيح، لكن هذا بالنسبة لمن تأهل، واستطاع أن يستنبط مباشرة من الكتاب والسنة، لكن لا يمكن أن يتأهل حتى يمر على كتب المتأخرين، لا يمكن، كيف نقول لشخص مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة وهو لا يعرف العام من الخاص والمطلق ....