الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وإنما طريقها" يعني طريق معرفة الوحيين "الرواية" لأنها لا تدرك برأي ولا استنباط.
"فافتقر الراوي إلى الدراية" لا بد أن يدري ما يروي؟ وكيف يروي؟ وعمن يروي؟
بصحة المروي عن الرسولِ ... ليعلم المردود من مقبولِ
لا بد أن يعرف صحة المروي، ويعرف المقبول من المردود، في عصر الصحابة في أول الأمر ليسوا بحاجة إلى مثل هذه القواعد وهذه الضوابط، وليسوا بحاجة إلى تمييز المقبول من المردود؛ لأنهم يأخذونه مباشرة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنما احتيج إلى ذلك بعد أن ظهرت الفرق المبتدعة، وكذبوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- وافتروا عليه تأييداً لبدعهم.
ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "لا سيما بعد تظاهر الفتن" بعد أن وجدت هذه الفتن وهذه الفرق لما وجدت الفتن بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-، وما حصل بين علي -رضوان الله عليه- مع معاوية -رضي الله عنه-، وما حصل بين الصحابة مما شجر بينهم احتاج بعض الضعاف ضعاف الدين بل ضعاف العقول أن يضع بعضهم في تأييد ما يذهب إليه، فوجدت الخوارج وجدت الروافض، وجدت النواصب، وجد القدرية، وكل فرقة تعرف أن دعواها لا تنفق بين الناس إلا بنص، أيدوا بدعهم ببعض المتشابه، ونظروا إلى النصوص بعينٍ واحدة، فنظر الخوارج إلى نصوص الوعيد، ونظر المرجئة إلى نصوص الوعد، وأوغلوا في الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا احتيج إلى نقد الرجال "بعد تظاهر الفتن ... ولبس إفك المحدثين بالسنن" هنا جاءت الحاجة إلى معرفة أحوال الرجال؛ لأنه ليس كل أحدٍ يقبل قوله، وليس كل أحد تقبل روايته، ولذا يختلفون في رواية المبتدع، ويؤكدون على رد ما يؤيد بدعته، وسيأتي تفصيل القول في رواية المبتدع -إن شاء الله تعالى-.