نعم، كلامك له حظ من النظر، يعني إذا نظرنا إلى كلام ابن حجر: لم يهذب ولم يرتب بالنسبة لمن جاء بعده، يعني إذا قارنا (معرفة علوم الحديث) بـ (علوم الحديث) لابن الصلاح وجدنا أن المعرفة ما رتب مثل ترتيب ابن الصلاح، رتبه وإن كان أيضاً يلاحظ عليه بالنسبة لمن جاء بعده أن ابن الصلاح لم يرتب، جاء بعده من هو أدق منه في الترتيب، وكلام ابن خلدون: إنه أول من هذب ورتب بالنسبة لمن قبله، ابن الصلاح جاء بعدهم، أبو نعيم قبله وضع مستخرج على المعرفة للحاكم، ثم جاء القاضي عياض فألف (الإلماع) وهو كتابٌ لطيف لكنه في بابٍ خاص من هذا العلم وهو (أصول الرواية وتقييد السماع في التحمل والأداء) ثم جاء ابن الصلاح فنظر في هذه الكتب، بل قبله وقبل القاضي عياض الخطيب البغدادي الذي ألف (الكفاية في قوانين الرواية) وألف (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) وألف في غالب أنواع علوم الحديث، كل نوع من أنوع علوم الحديث وضع فيه مصنف خاص، ابن الصلاح جاء بعدهم فنظر في هذه المؤلفات واعتنى بتآليف الخطيب فأخرج (الكتاب وعلوم الحديث) ثم بعد ذلك سار الناس بسير ابن الصلاح وداروا في فلكه، وعنوا بكتابه، كما قال الحافظ: "فلا يحصى كم شارح له ومختصر .. ، كم ناظمٍ له ومختصر، ومستدركٍ عليه ومنتصر وإيش؟ ومعارض له ومنتصر، المقصود أن الناس داروا في فلكه، فلا تحصى مختصراته، ونظم من قبل جمعٍ من أهل العلم، شرح من قبل جمعٍ غفير، حشي، وضعت عليه النكت، المقصود أن الناس عنوا به، وكأنه ألغى ما قبله من الكتب، لكن هي الأصول، تبقى أصول، هو جمع هذه الأصول وتبقى الأصول أصول، ولذا يقول:
وزاد من جا بعدهم عليها ... بحسب احتياجهم إليها
وما زال الناس يكتبون في علوم الحديث، والباب ما زال بحاجة، الأمثلة التي تتكرر في كتب المصطلح يمكن تغير، يمكن يضاف إليها، يمكن أن ينظر إليها من وجهات أخرى، المقصود أن هذا العلم ما زال حياً، وما زال التأليف فيه باقياً، والمسألة ما هي بمسألة نص لا يحتاج إلى تقديم ولا تأخير ولا إعادة نظر، هذه مسألة صناعة قابلة للتطوير، والعمدة في ذلك على ما قاله المتقدمون، مجرد أن ينظر في كلامهم ويجمع كلامهم ويصاغ ويقدم للمتعلمين.