صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل-، وما رواه البخاري على ما سيأتي فيما يفيده خبر الواحد عند ابن الصلاح ومن يقول بقوله، وسيأتي تفصيل المسألة مقطوعٌ بصحته، مفيدٌ للعلم سوى أحرف يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ كالدارقطني، ثمانين حديث في البخاري تكلم فيها الدارقطني وأجيب عنها، استدراكات الدارقطني أجيب عنها، الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وفي أثنائه وغيره من الأئمة أجابوا عن هذه الاستدراكات، ويبقى أن صحيح البخاري أصح الكتب.
لكن ماذا عما لو ضعف أحدٌ حديث لم يسبق إلى تضعيفه؟ نقول: ما في صحيح البخاري مما لم يسبق لتضعيفه من الأئمة الكبار مفيدٌ للعلم، وكونه يفيد العلم حكمه حكم ما لو سمعتَ النبي -عليه الصلاة والسلام- تكلم بهذا الحديث، كأنك رددت قول النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وهذا أمرٌ في غاية الخطورة، هذا إذا لم يسبق إلى تضعيفه ممن يعتد بقوله من أهل العلم، على أن من يعتد بقوله كالدارقطني من أهل العلم في تضعيفهم لبعض الأحاديث بالصحيحين لا شك أنه في الغالب مردودٌ عليه، والصواب مع الإمام -رحمة الله عليه-، وبقي أن يلفت نظر طلاب العلم أن لا يتجرؤوا ويهجموا على هذه الكتب تصحيحاً وتضعيفاً؛ لأنه إذا تطاول طالب العلم على البخاري فماذا يبقى للأمة من مستند ومعتمد؟ إذا كان جمعٌ من أهل العلم يقولون: لو أن شخصاً حلف بالطلاق أن جميع ما في صحيح البخاري صحيح أنه لا يحنث ولا تبين منه امرأته، هذا الكلام لا شك أنه إجمالي؛ لأن في بعض المعلقات التي نبه البخاري على ضعفها، البخاري نفسه نبه على ضعفها.
المقصود أن من يهجم على هذه الكتب ويتطاول عليها لا يخدم إلا الأعداء، لا يخدم إلا الأعداء، قد يوجد من أهل العلم المتأهلين من هو متأهل، وينظر، ويؤديه اجتهاده إلى أن هذا حديث كيف صححه البخاري؟ يعني قد يخفى عليه وجه تصحيح البخاري، لكن المعول في هذا على تصحيح الإمام -رحمه الله تعالى-، ولم يكتسب ذلك يكتسب هذه القوة من الإمام وحده وإنما لأن الأمة تلقت الكتاب بالقبول، هذا التلقي وحده كما يقول ابن حجر وغيره أولى بالاعتماد من مجرد كثرة الطرق، فالحذر الحذر أن يتطاول الناس على هذه الكتب.