((كتب الإحسان)) في معاملة الخالق، كما جاء في حديث جبريل فيما تقدم سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإحسان، فقال:((أن تعبد الله كأنك تراه)) بالمراقبة ((أن تعبد الله كأنك تراه)) هذا الإحسان في العبادة، في معاملة الخالق ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) يعني إذا لم تتصور أنك ماثل بين يدي ربك في صلاتك وأنك تخاطبه وتناجيه مباشرة فلا أقل من أن تتصور أنه يراك؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، الذي يعلم السر وأخفى.
في معاملتك لنفسك توسط في أمورك، لا تشق عليها مشقة لا تحتملها، ولا تفرط فيما ينفعك في دينك ودنياك، فدين الله وسط بين الغالي والجافي، الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فعليك أن ترفق بنفسك ((اكلفوا من العمل ما تطيقون)) فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، نعم قد تأخذ بالعزيمة، وقد تأخذ بعسف النفس على عدم التساهل والتراخي؛ لأن التساهل يجر إلى ما وراءه، على كل حال اكلف من العمل ما تطيق.
لما جاء النفر الذين تقالوا عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: إنه غفر له ما تقدم من ذنبه، فقال أحدهم: إنه يصلي ولا ينام الليل، وقال أحدهم: إنه يصوم ولا يفطر، وقال الثالث: إنه لا يأكل اللحم وهكذا، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) لكن هناك أوقات وهناك مواسم تستغل، ولو تعب فيها الإنسان، النبي -عليه الصلاة والسلام- قام في جوف الليل حتى تفطرت قدماه، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد المئزر، وأيقظ أهله، وسهر في عبادة الله -جل وعلا- من الصلاة والذكر والتلاوة، فهذه المواسم تستغل، لكن بقية العمر يؤخذ منه بقدر ما يبلغ الإنسان، بقدر ما جاء به الشرع، وعلى كل حال هناك حث على المزيد من العمل، لكن لا يصل إلى حد المشقة على النفس الذي يؤول بالإنسان إلى الترك.
أيضاً على الإنسان ألا يفرط فيما جاء الحث عليه لا سيما فيما أوجب الله عليه، لا يجوز له أن يفرط بحال، وهذا من الإحسان إلى النفس، أن تحملها وتلزمها بما أوجب الله عليك، وبترك ما نهاك الله عنه.