ومقتضى تسمية الكتاب بالأربعين أن يكون هذا آخر حديث، واستدلاله بحديث:((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) مقتضى ذلك أن يكون هذا آخر الأحاديث، لكنه زاد حديثين، والزيادة اليسيرة لا تخرج الشيء عن مسماه، ولذا كثيراً ما نجد في الألفيات زيادة بيت أو بيتين أو ثلاثة أو نقص بيت أو بيتين في الألفية؛ لأن الحكم للغالب، هذا زاد حديثين، رأى أن الحاجة داعية وماسة لهما، وإلا فالأصل أن يكون الحديث الأربعون هو آخر الكتاب، وهو مقتضى التسمية؛ لأن بعض الناس يستغرب يقول: أربعين حديث، الاثنين هذه من أين جابها؟ هي من أصل التأليف، يعني من المؤلف، رأى الحاجة داعية إلى هذين الحديثين، ولما جاء الحافظ ابن رجب فزادها ثمانية فصارت خمسين، ولا يمتنع أن يأتي من يزيدها عشرة فتصير ستين، إلى أكثر من ذلك، ومعروف عند أهل العلم الزيادات والزوائد معروفة عند أهل العلم.
يقول: الحديث الأربعون:
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي" طرف الكتف، المنكب ملتقى العاتق مع العضد "بمنكبي فقال" من باب التنبيه؛ لأنه أيضاً بعد يمكن أخذ بمنكبه وشده من أجل أن ينتبه، هذا أسلوب مستعمل إلى الآن، نعم.
"قال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) " كوافد على هذا البلد لا تعرف ولا تعرف، والغريب ينبسط في بلد لا يعرف ولا يعرف فيه؟ ((أو عابر سبيل)) مررت بهذا البلد وأنت ماشي في طريقك، ومقتضى ذلك أن تأخذ الأهبة للغربة والسبيل الذي ينتظرك، فتأهب لما أمامك، والدنيا سفر يقطعه الإنسان يقطع منه في كل يوم مرحلة تقربه إلى الدار الحقيقية، الدار الآخرة ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يعني استعد لما أمامك، أما غير الغريب صاحب البلد والمقيم فيه غير عابر السبيل، هذا عنده بيت، وعنده أهل، وعنده عشيرة، وعنده متاع، فما شبه السائر إلى الله -جل وعلا- بالمقيم؛ لأن هذه الدنيا وهي المشبه ليست دار إقامة، وإنما هي ممر، كأنك عابر سبيل، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وابن عمر وهو المعروف بالمبادرة بالامتثال ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، يبادر.