فَلَمْ تَحْتَرِقْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشام، وكانوا يسمونه بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تُحَقِّقُ أَنَّهُ إِنَّمَا نَالَ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ الْمُطَهَّرَةَ الْمُقَدَّسَةَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوَاضِعَ السُّجُودِ، وَقَدْ نَزَلَ أَبُو مُسْلِمٍ بِدَارَيَّا مِنْ غَرْبِيِّ دِمَشْقَ وَكَانَ لَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِدِمَشْقَ وَقْتَ الصُّبْحِ، وَكَانَ يغازى ببلاد الرُّومِ، وَلَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ بِدَارَيَّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَقَامُهُ الَّذِي كَانَ يَكُونُ فِيهِ، فَإِنَّ الْحَافِظَ ابْنَ عَسَاكِرَ رَجَّحَ أَنَّهُ مَاتَ بِبِلَادِ الرُّومِ، فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَقِيلَ:
فِي أَيَّامِ ابْنِهِ يَزِيدَ، بَعْدَ السِّتِّينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَعَ لِأَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحِوَارِيِّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى أستاذه أبى سليمان يعلمه بأن التَّنُّورَ قَدْ سَجَرُوهُ وَأَهْلُهُ يَنْتَظِرُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ به، فوجده يكلم الناس وهم حوله فأخبره بِذَلِكَ فَاشْتَغَلَ عَنْهُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَعْلَمُهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَعْلَمُهُ مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ حوله، فقال: اذهب فاجلس فيه، فذهب أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحِوَارِيِّ إِلَى التَّنُّورِ فَجَلَسَ فِيهِ وَهُوَ يَتَضَرَّمُ نَارًا فَكَانَ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَا زَالَ فِيهِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ أَبُو سليمان من كلامه فقال لمن حواله: قُومُوا بِنَا إِلَى أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحِوَارِيِّ، فَإِنِّي أَظُنُّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى التَّنُّورِ فَجَلَسَ فيه امتثالا لما أمرته، فَذَهَبُوا فَوَجَدُوهُ جَالِسًا فِيهِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَخْرَجَهُ مِنْهُ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْمَعَالِي: وَأَمَّا إِلْقَاؤُهُ- يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الْمَنْجَنِيقِ، فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ فِي وَقْعَةِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَأَنَّ أَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ انْتَهَوْا إِلَى حَائِطٍ حَفِيرٍ فَتَحَصَّنُوا بِهِ وَأَغْلَقُوا الْبَابَ، فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ: ضَعُونِي على برش واحملونى على رؤوس الرِّمَاحِ ثُمَّ أَلْقُونِي مِنْ أَعْلَاهَا دَاخِلَ الْبَابِ، ففعل ذَلِكَ وَأَلْقَوْهُ عَلَيْهِمْ فَوَقَعَ وَقَامَ وَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ، وقتل مسيلمة، قلت: وقد ذكر مُسْتَقْصًى فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ حِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute