شاعرا بأنه مزايل للناس وهو بعيد منهم، فلا أحد يمكن أن يسد مسد الأب الرفيق، ولا إنسانة تسد مسد الأم الشفوق، فإن أصاب الابن قذى تقطعت كبد أمه، واحترق قلب أبيه، وليس لأحد من الناس غيرهما هذه الخاصية، وكم تمنى إنسان أن يفقد كل شيء، وأن يضحي بكل نفس ونفيس فداء لابنه لأنه حشاشة القلب....
لقد مات عبد الله بن عبد المطلب وترك السيدة البارة آمنة بنت وهب حاملا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا لم ير أباه، ولم يره أبوه، فتقر به عينه، وليس في الدنيا كلها حنان يعوض حنان الأب، وحدبه، وبره، وإشفاقه.
ثم إن أمه آمنة بنت وهب قد أدركها الموت، فتوفيت هي الآخرى وعمره ست سنوات، فكانت وفاتها ثالثة الأثافي، حيث تظاهرت الظروف القاسية المريرة، وتواترت الهموم على الطفولة البريئة، فبينا يتمارى صبية بني هاشم وغيرهم بين آبائهم وأمهاتهم وذويهم، إذا بالصبي الصغير محمد بن عبد الله لا يجد صدر أب حنون، ولا قلب أم مشفقة تحنو عليه في المساء، وترعاه في الصباح، ويشعر باليد الحانية تربت على وجهه المشرق الوضاء تهدهده وتلاعبه وتداعبه.. افتقد كل هذا، وحرم من كل هذا، ولم يكن هناك بد من إلحاقه وانتقاله إلى جده عبد المطلب، ذلك الشيخ العجوز الفاني. لكن حفاوة الجلد العجوز لا يمكن بحال أن تكون بديلا عن حنان الأب وبره وحدبه ... كذلك فإنه لا يزال محروما من حنان الأم التي لا عوض ولا بديل لها أبدا.
كان كلما خلا بنفسه صلى الله عليه وسلم، شعر بالحزن العميق، والأسى البالغ، والنار المحرقة التي ترعى الكبد من لوعة فراق الأبوين في فجر الحياة ومع