ولعل أم حبيبة كانت محزونة مشحونة بالهموم والأنكاد، للمصارمة والقطيعة والعداوة الشديدة بين أبيها وأهلها وبين زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي تتفطر حزنا وأسى ولوعة، وهي تسمع أنباء تهييج أبيها واستنفاره للمشركين ضد المسلمين، وهي في نفس الوقت حريصة كل الحرص على زوجها وحبيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبنائها المؤمنين من الفوارس الأبطال، فهي لذلك مشغولة البال من كثرة الوساوس والبلبال، فإن نارا تتلظى في حشاها، وجحيما تتسعر لا تخبو ليلا ولا تهمد نهارا، ولا تكبو طرفة عين، ولا سيما بعد أن تراقى إليها، ونما إلى سمعها وحك أذنيها أن لقاء المواجهة الحاسمة بين أبيها ورجاله، وبين زوجها وأبنائها صار وشيكا، فإنه عندئذ سيأكل بعضها بعضا ... لذلك لم يكن لديها من الوجدان والشعور متسع ولا فيه منادح أو مسارح لمثل خطط الضرائر وتحزبهن، ومكايدهن لبعضهن البعض، فهي عندها من الشواغل والهموم حيلولة طبيعية دون ذلك.
ذات يوم عمدت قريش إلى نقض عهد الحديبية، فاجتمع كبراؤها ورؤوسها ليتداولوا في الأمر، وليقوموا مدى توفر ضمانات النصر والظفر ...
لكن بعد مشاورات جادة رأوا أن قوة محمد صلى الله عليه وسلم أصبحت مضربا للأمثال، وأصبحت قوة ضاربة، يتمثل بها الصادر والوارد، وأصبح حدّ المسلمين كثيفا ولم يعد كلؤهم مستباحا، ولا عقوتهم محلولا بها، ولا ذمارهم مغارا عليه، ولا بد لمن يفكر في الإغارة عليهم أو استباحة ذمارهم أن يفكر ويتدبر ويتردد ألف مرة، وأن أية محاولة سيكون ثمنها غاليا، وأن أية مغامرة سيكون فيها الهلاك والتشريد والإبادة الساحقة الماحقة التي لا تبقي ولا تذر.
لذلك أجمعوا أمرهم على أن يقوم كبيرهم أبو سفيان بن حرب رسولا