السكران وزوجته السيدة سودة مع المهاجرين الأولين والنفر الثمانية الذين فرّوا بدينهم من اضطهاد قريش وأذاها، وتركوا خلفهم ديارهم وأموالهم قاصدين الحبشة تلك البلاد القاصية النائية، والأرض الشطون التي لم يكونوا يعرفون عنها شيئا ولا عن أهلها، ولا رأوها قبل ذلك ... وقيل إن السكران مات في الحبشة، لكن ثم رواية أخرى تقول إنه مات في مكة بعد عودته من الحبشة، وترك لزوجته سودة صبية خمسة عاشت بهم بعد وفاة زوجها في كنف أبيها زمعة بن قيس.
لذلك سميت سودة بنت زمعة باسم المهاجرة أرملة المهاجر، فرضي الله عنهما....
ولعل موقفها من الهجرة وتضحيتها بكل نفس ونفيس في سبيل ذلك وفراقها للأهل والوطن إلى الحبشة مع زوجها السكران كان سببا قويا وراء إكرامها والرفق بها، والحدب عليها، والزواج منها، تلكم المرأة التي آثرت الغربة في بلاد مجهولة قاصية، مستعدة لتحمل صنوف المشاق المهلكات في سبيل الفرار بدينها وعقيدتها.
لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنائه عليها تكريما لها، وسلوانا، وعوضا عما نابها من قسوة الأيام، وشظف العيش ...
لكنها في نفس الوقت رأت أن هناك بونا كبيرا، وفارقا شاسعا بينها وبين خديجة من ناحية، ثم بينها وبين العروس الشابة عائشة من ناحية أخرى، وكأنها ترى نفسها ليست أهلا لهذا الشرف الرفيع، وكانت لذلك تشعر بالرهبة تداخلها، ويخامرها فزع ويخالطها عجب ودهشة من جراء ذلك.
لقد كان هناك حائل وفاصل عميق بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعتقادها ومن وجهة نظرها إذ إنها لم تر نفسها مرغوبا فيها مقصودة