انجلت الغمة، وذهب الكرب، وذهل المفترون، وقتلت الفتنة، وارتفع الحق، ودحض الباطل الزهوق، وأعلى الله ذكر عائشة ورفع درجتها، وشملها بلطفه ورضوانه ليصبرها على هذه البلية التي طعنتها في قلبها «١» .
لقد تبلج نور اليقين فأزاح ظلمات الريب، وشبهات الراغمين، وارتفع الصدق والحق إلى أعلى درج، وانخسف الباطل إلى أحط وأسفل درك، وظهر أمر الله وأعداؤه كارهون.
بعد ذلك انقضت الأيام يستحث بعضها بعضا، وقد قرت عين أم المؤمنين عائشة، وحمد الله أبو بكر وأم رومان، وعاد الاستقرار وثابت السكينة والرضى بالمقسوم من قضائه سبحانه وتعالى وقدره، وشكرا له على ما أنعم وأفاض من روحه وريحانه.
ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ثم عاد إلى المدينة، وقد قربت ساعة الرحيل، بعد أن أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
وقد تم تمريضه صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة، وعندما دنت ساعة الرحيل، واقترب وقت الفراق ضمته عائشة إلى صدرها، وكان في يدها سواك من الأراك تستاك به، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يريده فأعطته إياه فتناوله وشاص به أسنانه، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:
«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري، وجمع بين ريقي وريقه» .
(١) قال عطاء بن رباح: لو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك، لكفى بها فضلا، وعلو مجد، فإنها نزل فيها من القرآن الكريم ما يتلى إلى يوم القيامة.