للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ال عمران: ١٤٤] .

فكأنّ النّاس لم يسمعوا هذه الاية إلّا يومئذ.

وفي رواية: أنّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه لمّا بلغه الخبر.. دخل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعيناه تهملان، وغصصه ترتفع كقصع الجرّة.

و (الجرّة- بالكسر-) : ما تخرجه الإبل من كروشها، فتجترّه.

و (قصعها) : إخراجها مستقيمة من غير تقطيع وشدّة مضغ.

وهو في ذلك «١» جلد الفعل والمقال، فأكبّ عليه، فكشف عن وجهه، وقبّل جبينه وخدّيه، ومسح وجهه وجعل يبكي ويقول:

بأبي أنت وأمّي ونفسي وأهلي، طبت حيّا وميتا، انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصّفة، وجللت عن البكاء، وخصّصت حتّى صرت مسلاة «٢» ، وعمّمت حتّى صرنا فيك سواء، ولولا أنّ موتك كان اختيارا منك؛ لجدنا لحزنك بالنّفوس، ولولا أنّك نهيت عن البكاء؛ لأنفدنا عليك ماء العيون «٣» .

فأمّا ما لا نستطيع نفيه عنّا.. فكمد وادّكار محالفان لا يبرحان، اللهمّ


(١) في نسخة: (وهو مع ذلك) .
(٢) أي: بحيث يتسلّون بك أي: يروّحون بك عن نفوسهم.
(٣) في نسخة: (ماء الشّؤون) ؛ وكلاهما بمعنى.

<<  <   >  >>