وعلى هذا في هذا الشهر العظيم المبارك ينبغي أن تستغل الأنفاس في الطاعة، وينقطع الإنسان فيه عن جميع العلائق إلا ما أوجبه الله عليه؛ لأنه أيضاً مثل ما أسلفنا الإسلام دين التوازن، كونه أيضاً يعتكف ويلزم المسجد للعبادة، ويضيع ما تحت يده، ويفرط في الواجبات؟ مثل هذا يقال له: الاعتكاف في حقك مفضول، وأنت في عبادة، ما دمت مشغولاً في أداء الواجبات كنت في عبادة.
لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه، وعلى هذا لا يصح الاعتكاف خارج المسجد، الغرف والملاحق ومكتبة المسجد والمنارة، يقول أهل العلم: إن كانت تفتح إلى المسجد فحكمها حكم المسجد، وإن كانت تفتح إلى خارج المسجد فليست من المسجد، هذا المقرر عند أهل العلم.
يقول:"وهو سنة لا يجب إلا بالنذر" محل إجماع بين أهل العلم على أن الاعتكاف سنة ليس بواجب، إلا إذا ألزم الإنسان نفسه به في نذر ونحوه، إذا ألزم الإنسان نفسه بالنذر وجب عليه ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) وعلى هذا لو مات وعليه اعتكاف نذر، يعتكف عنه وليه وإلا ما يعتكف؟ تقدم لنا، أنه وكذا كل طاعة ينذرها الإنسان يقوم وليه مقامه؛ لأنه هو الذي أوجب ذلك على نفسه كأنه استدان على ذمته، فيجب قضاء ما عليه، وقضاء الله أحق، ودين الله آكد.
"لا يجب إلا بالنذر، ويصح من المرأة في كل مسجد" يصح من المرأة في كل مسجد، ومعلوم أن هذا مقرون بأمن الفتنة، إذا كانت المرأة لا تفتتن بالرجال، ولا يفتتن بها الرجال صح منها الاعتكاف، بل ندب لها؛ لأن أمهات المؤمنين اعتكفن؛ لكن إذا خشي من النساء التضييق على الرجال منعن، كما منع النبي -عليه الصلاة والسلام- أزواجه ثلاث سنوات، كثرت الأخبية في المسجد، فضيقن على الرجال، والأصل في المساجد أنها للرجال، وأما المرأة فهي مأمورة بالقرار في بيتها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(٣٣) سورة الأحزاب] لكن مع أمن الفتنة ووجود الفسحة في المكان والرغبة في الغير ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)).