للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: هذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تطهر للمتأمل: الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم. والثاني: سد الذريعة؛ فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك. الثالث:

و"التولة": شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.

أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك١.

وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف -رضي الله تعالى عنهم- يتبين لك بذلك غربة الإسلام، خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها، والإقبال إليها بالقلب والوجه، وصرف جل الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه، كما قال تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ٢ ونظائرها في القرآن أكثر من أن تحصر.

قوله: "التولة". قال المصنف: "هي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته". وبهذا فسرها ابن مسعود راوي الحديث: كما في صحيح ابن حبان


١ ولأن فعل ذلك استهزاء أشد استهزاء بآيات الله، ومناقضة لما جاءت به. (*) ومحادة لله ولرسوله, فإن الله أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وشفاء لما في الصدور ولا يزيد الظالمين إلا خسارا. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. ولم ينزل القرآن ليتخذ حجبا وتمائم، ولا ليتلاعب به المتأكلون به الذين يشترون به ثمنا قليلا، والذين يقرءونه على المقابر وأمثال ذلك مما ذهب بحرمة القرآن، وجرأ الرؤساء على ترك الحكم به. (*) قوله: (ولأن فعل ذلك استهزاء أشد استهزاء بآيات الله, ومناقضة لما جاءت به) إلخ. أقول: هذه فيها نظر, والصواب أن تعليق التمائم ليس من الاستهزاء بالدين بل من الشرك الأصغر, ومن التشبه بالجاهلية, وقد يكون شركا أكبر على حسب ما يقوم بقلب صاحب التعليق من اعتقاد النفع فيها، وأنها تنفع وتضر دون الله عز وجل, وما أشبه هذا الاعتقاد. أما إذا اعتقد أنها سبب للسلامة من العين أو الجن ونحو ذلك فهذا من الشرك الأصغر؛ لأن الله سبحانه لم يجعلها سببا, بل نهى عنها وحذر وبين أنها شرك على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وما ذاك إلا لما يقوم بقلب صاحبها من الالتفات إليها والتعلق بها، ولو كان تعليقها استهزاء بآيات الله سبحانه لكان ذلك كفرا وردة عن الإسلام، كما قال الله عز وجل: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) الآية. ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال: إن تعليق التمائم استهزاء بآيات الله، ولأن الواقع من المعلقين يخالف ذلك؛ فإنهم إنما يعلقون التمائم من القرآن والسنة رجاء نفعها وبركتها, لا لقصد الاستهزاء بها, وهذا بين واضح لمن تأمل. والله المستعان.
٢ سورة يونس آية: ١٠٦-١٠٧.

<<  <   >  >>