للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماعهم كلام الله بالوحي ١.

وقال ابن عطية: في الكلام حذف يدل عليه الظاهر. كأنه قال: ولا هم شفعاء كما تزعمون أنتم، بل هم عبدة مسلمون لله أبدا; يعني منقادون، حتى إذا فزع عن قلوبهم. والمراد الملائكة على ما اختاره ابن جرير وغيره.

قال ابن كثير: وهو الحق الذي لا مرية فيه; لصحة الأحاديث فيه والآثار.

وقال أبو حيان: تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أن قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} ٢ إنما هي الملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل يأمره الله به سمعت كَجرِّ سلسلة الحديد على الصفوان، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة. قال: وبهذا المعنى - من ذكر الملائكة في صدر الآية - تتسق هذه الآية على الأولى، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله: " الذين زعمتم " لم تتصل له هذه الآية بما قبلها ٣.

قوله: " قالوا ماذا قال ربكم " ولم يقولوا ماذا خلق ربنا؟ ولو كان كلام الله مخلوقا لقالوا: ماذا خلق؟. انتهى من شرح سنن ابن ماجه.

ومثله الحديث: " ماذا قال ربنا يا جبريل؟ ". وأمثال هذا في الكتاب والسنة كثير.

قوله: {قَالُوا الْحَقَّ} أي قال الله الحق. وذلك لأنهم إذا سمعوا كلام الله صعقوا ثم إذا أفاقوا أخذوا يسألون، فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قال الحق.

قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ٤ علو القدر وعلو القهر وعلو الذات، فله العلو الكامل من جميع الوجوه، كما قال عبد الله بن المبارك لما قيل له: بما نعرف ربنا؟ قال: "بأنه على عرشه


١ ذكره عن ابن مسعود من عدة طرق, وساق بسنده حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري الآتي بعد صفحة. وقد قال البخاري في تفسير سورة الحجر عن علي بن عبد الله. قلت لسفيان: إن إنسانا روى عنك عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة أنه قرأ "فرغ" بضم الفاء والراء المثقلة المهملة وبالغين المعجمة فقال سفيان: هكذا قرأ عمرو، ويعني ابن دينار. فلا أدري سمعه هكذا أم لا؟ قال الحافظ: وهذه القراءة رويت عن الحسن وقتادة ومجاهد، والقراءة المشهورة بالزين والعين المهملة. وقرأهما ابن عامر مبنيا للفاعل. ومعناه بالزاي والعين المهملة: أدهش الفزع عنهم. ومعنى التي بالراء والغين المعجمة ذهب عن قلوبهم ما حل فيها.
٢ سورة سبأ آية: ٢٣.
٣ قال أبو حيان: ولهذا اضطرب المفسرون في تفسيرها.
٤ سورة سبأ آية: ٢٣.

<<  <   >  >>