للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الأثر اختصره المصنف. ولفظ ما في البخاري: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "صارت الأوثان التي في قوم نوح في العرب بعد. أما "ودّ" فكانت لكلب بدومة الجندل. وأما "سواع" فكانت لهذيل. وأما "يغوث" فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما "يعوق" فكانت لهمدان. وأما "نسر" فكات لحمير لآل ذي الكلاع: أسماء رجال صالحين في قوم نوح - إلى آخره". وروى عكرمة والضحاك وابن إسحاق نحو هذا.

قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس "أن يغوث ويعوق ونسرا كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم. فلما ماتوا قال أصحابهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة; فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر. فعبدوهم".

قوله: "أن انصبوا" هو بكسر الصاد المهملة.

قوله: "أنصابا" جمع نُصب، والمراد به هنا الأصنام المصورة على صور أولئك الصالحين التي نصبوها في مجالسهم، وسموها بأسمائهم. وفي سياق حديث ابن عباس ما يدل على أن الأصنام تسمى أوثانا. فاسم الوثن يتناول كل معبود من دون الله، سواء كان ذلك المعبود قبرا أو مشهدا أو صورة أو غير ذلك ١.


١ في قرة العيون: فصارت هذه الأصنام بهذا التصوير على صور الصالحين سلما إلى عبادتها. وكل ما عبد من دون الله, من قبر أو مشهد, أو صنم, أو طاغوت، فالأصل في عبادته هو الغلو. كما لا يخفى على ذوي البصائر. كما جرى لأهل مصر وغيرهم؛ فإن أعظم آلهتهم أحمد البدوي، وهو لا يعرف له أصل ولا فضل ولا علم ولا عبادة. ومع هذا فصار أعظم آلهتهم مع أنه لا يعرف إلا أنه دخل المسجد يوم الجمعة فبال فيه ثم خرج ولم يصل. ذكره السخاوي عن أبي حيان. فزين لهم الشيطان عبادته فاعتقدوا أنه يتصرف في الكون، ويطفئ الحريق وينجي الغريق, وصرفوا له الإلهية والربوبية وعلم الغيب, وكانوا يعتقدون أنه يسمعهم ويستجيب لهم من الديار البعيدة. وفيهم من يسجد على عتبة حضرته. وكان أهل العراق ومن حولهم كأهل عمان يعتقدون في عبد القادر الجيلاني; كما يعتقد أهل مصر في البدوي. وعبد القادر من متأخري الحنابلة وله كتاب الغنية, وغيره ممن قبله وبعده من الحنابلة أفضل منه في العلم والزهد, لكن فيه زهد وعبادة, وفتنوا به أعظم فتنة. كما جرى من الرافضة مع أهل البيت. وسبب ذلك الغلو دعوى أن له كرامات، وقد جرت الكرامات لمن هو خير منه وأفضل كبعض الصحابة والتابعين, وهكذا حال أهل الشرك مع من فتنوا به. وأعظم من هذا عبادة أهل الشام لابن عربي، وهو إمام أهل الوحدة الذين هم أكفر أهل الأرض وأكثر من يعتقد فيه هؤلاء لا فضل له ولا دين كأناس بمصر وغيره, وجرى في نجد قبل هذه الدعوة مثل هذا. وفي الحجاز واليمن وغيرها من عبادة الطواغيت والأشجار والأحجار والقبور ما عمت به البلوى, كعبادتهم للجن وطلبهم للشفاعة منهم. والأصل في ذلك الغلو تزيين الشيطان. وذكر أهل السير أن التلبية من عهد إبراهيم - عليه السلام -: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك"، حتى كان عمرو بن لحي الخزاعي فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه فقال: "لبيك لا شريك لك"، فقال الشيخ: "إلا شريكا هو لك". فأنكر ذلك عمرو وقال ما هذا؟ فقال الشيخ: "تملكه وما ملك". فإنه لا بأس بهذا. فقالها عمرو. فدانت بها العرب.

<<  <   >  >>