ذلك من عبادتهم لهم من دون١ الله. وفي رواية:"أنهم قالوا: ما عظّم أوّلنا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله" أي يرجون شفاعة أولئك الصالحين الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم وسموها بأسمائهم. ومن هنا يعلم أن اتخاذ الشفعاء ورجاء شفائهم بطلبها منهم: شرك بالله، كما تقدم بيانه في الآيات المحكمات.
قوله:"وقال ابن القيم - رحمه الله -: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم".
قوله:"وقال ابن القيم رحمه الله" هو الإمام العلامة محمد ابن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية. قال الحافظ السخاوي: العلامة الحجة المتقدم في سعة العلم ومعرفة الخلاف وقوة الجنان، المجمع عليه بين
الموافق والمخالف; صاحب التصانيف السائرة والمحاسن الجمة. مات سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
قوله:"وقال غير واحد من السلف" هو بمعنى ما ذكره البخاري وابن جرير إلا أنه
١ وما جر إلى هذا الغلو الذي أدى إلى عبادتهم من دون الله إلا تعظيم قبورهم، وبناء القباب عليها, وسترها بالأستار, وإيقاد السرج, وقيام السدنة وشياطين الإنس عندها لدعوة الناس إلى عبادتها بأنواع النذور فيعود عليهم من تلك الأموال. وإلا فكم من عباد صالحين من الصحابة وأفاضل العلماء الذين كان لهم قدم صدق في الإسلام مدفونون في مقابر مصر والشام وغيرهما; هم أفضل آلاف المرات من أمثال البدوي والدسوقي; بل نعالهم أشرف وأكرم من هذا البدوي وأضرابه لا يعرفهم أولئك المشركون؛ لأنهم لم ينصب على قبورهم تلك الأنصاب ولم تتخذ عليها تلك الأوثان. ولذلك كان الذي يزعم أنه يزور للموعظة وتذكر الدار الآخرة, تلك القبور التي نصبت عليها هذه الأنصاب والمقاصير من أجهل الناس وأبعدهم عن هدى الإسلام الذي لا يعرف تلك القباب، وإنما يعرف القبور التي لا يبنى عليها ولا يكتب عليها ولا تستر بالأستار الحرير وغيرها؛ فإنه من أمحل المحال الاتعاظ بهذه الأوثان والأنصاب, ومن أعظم الجهل أن تسمى هذه قبورا تسن زيارتها كما تسن زيارة القبور التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها. فنسألك اللهم أن تعجل بهدم هذه الأوثان وتطهير الأرض منها كلها تحقيقا لما أمر به نبيك صلى الله عليه وسلم، وبعث علي بن أبي طالب به إلى اليمن صيانة للتوحيد من قذر الشرك الذي أعظم أسبابه هذه القبور.