للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالله سبحانه هو خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره ولا مقدر غيره. وأما إذا قوي التوكل على الله والإيمان بقضاء الله وقدره، فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتمادا على الله ورجاء منه أن لا يحصل به ضرر، ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك، لا سيما إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة، وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي.

" أن النبي صلي الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة، ثم قال: كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه" ١. وقد أخذ به الإمام أحمد. وروي ذلك عن عمر وابنه وسلمان -رضي الله عنهم-. ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه أكل السم. ومنه مَشي سعد ابن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني على متن البحر. قال ابن رجب -رحمه الله-.

قوله: "ولا طيرة" قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " يحتمل أن يكون نفيا أو نهيا أي لا تطيروا، ولكن قوله في الحديث: " لا عدوى ولا صفر ولا هامة " يدل على أن المراد النفي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها، والنفي في هذا أبلغ من النهي؛ لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره، والنهي إنما يدل على المنع منه".

وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم: " ومنا أناس يتطيرون. قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم " ٢. فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالطيرة إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لما رآه وسمعه، فأوضح صلي الله عليه وسلم لأمته الأمر، وبيّن لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة، ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببا لما يخافونه ويحذرونه، ولتطمئن قلوبهم، وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، وخلق لأجلها السماوات والأرض، وعمر الدارين الجنة والنار بسبب التوحيد، فقطع صلي الله عليه وسلم علق الشرك من قلوبهم؛ لئلا يبقى فيها علقة منها، ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة.

فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى، واعتصم بحبله المتين، وتوكل على الله، قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها، وبادر خواطرها من قبل استمكانها.


١ ضعيف. أبو داود: كتاب الطب (٣٩٢٥) : باب في الطيرة. الترمذي: كتاب الأطعمة (١٨١٨) : باب ما جاء في الأكل مع المجذوم. وابن ماجة: كتاب الطب (٣٥٤٢) : باب الجذام وإسناده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (٤٢٠٠) .
٢ مسلم: كتاب السلام (٥٣٧) (١٢١) : باب تحريم الكهانة وإيان الكهان.

<<  <   >  >>