للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دخان، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وزينها بمصابيح، وجعلها رجوما للشياطين، وحفظا من كل شيطان رجيم ".

قوله: "وعلامات" أي دلالات على الجهات "يهتدى بها" أي يهتدي بها الناس في ذلك. كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ١ أي لتعرفوا بها جهة قصدكم، وليس المراد أنه يهتدى بها في علم الغيب، كما يعتقده المنجمون، وقد تقدم وجه بطلانه وأنه لا حقيقة له كما قال قتادة: "فمن تأول فيها غير ذلك" أي زعم فيها غير ما ذكر الله في كتابه من هذه الثلاث فقد أخطأ، حيث زعم شيئا ما أنزل الله به من سلطان، وأضاع نصيبه من كل خير؛ لأنه شغل نفسه بما يضره ولا ينفعه.

فإن قيل: المنجم قد يصدق؟ قيل: صدقه كصدق الكاهن، ويصدق في كلمة ويكذب في مائة. وصدقه ليس عن علم، بل قد يوافق قدرا، فيكون فتنة في حق من صدقه.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ} ٢. فقوله: "علامات" معطوف على ما تقدم مما ذكره في الأرض، ثم استأنف فقال: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} ٣. ذكره ابن جرير عن ابن عباس بمعناه.

وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم بإبطال علم التنجيم، كقوله: ٤ " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد " ٥.

وعن رجاء بن حيوة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن مما أخاف على أمتي: التصديق بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة " رواه عبد بن حميد. وعن أبي مِحجن مرفوعا: " أخاف على أمتي ثلاثا: حيف الأئمة، وإيمانا بالنجوم، وتكذيبا للقدر " ٦. رواه ابن عساكر، وحسنه السيوطي.

وكره قتادة تعلُّم منازل القمر، ولم يُرَخِّص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما.

ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.

وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا: " أخاف على أمتي بعدي خصلتين: تكذيبا بالقدر; وإيمانا بالنجوم " ٧. رواه أبو يعلي وابن عدي والخطاب في كتاب النجوم، وحسنه السيوطي أيضا. والأحاديث في ذم التنجيم والتحذير منه كثيرة.


١ سورة الأنعام آية: ٩٧.
٢ سورة النحل آية: ١٥-١٦.
٣ سورة النحل آية: ١٦.
٤ تقدم تخريجه برقم [٢٣٩] .
٥ رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس.
٦ صحيح، أما حديث رجاء بن حيوة فمرسل. وأما حديث أبي محجن فأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢/٣٩) أيضا وإسناده ضعيف كما في الصحيحة (٣/١١٩) . والحديث له شواهد كثيرة عن أبي الدرداء وأنس وغيرهما يرتقي بها إلى درجة الصحة كما قال الألباني في الصحيحة (١١٢٧) .
٧ حسن أبو يعلى في مسنده (١٠٢٣) ، وابن عدي في الكامل (٤/١٣٥٠) . وإسناده ضعيف فيه يزيد الرقاشي إلا أن للحديث شواهد. وراجع تخريج (٢٧٢) . فالحديث كما قال المناوي في الفيض (١/٢٠٤) : "حسن لغيره".

<<  <   >  >>