للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام; وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها،

الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم،

ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم، وهذا كقوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ١. فإن في ذلك ذما للتبرج وذما لحال الجاهلية الأولى، وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة.

قوله: "الفخر بالأنساب" أي التعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم; وذلك جهل عظيم، إذ لا كرم إلا بالتقوى، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ٢. وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} ٣.

ولأبي داود عن أبي هريرة مرفوعا: " إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان " ٤.

قوله: "والطعن في الأنساب" أي الوقوع فيها بالعيب والتنقص. ولما عَيّر أبو ذر رضي الله عنه رجلا بأمه٥ قال له النبي صلي الله عليه وسلم: ٦ " أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ". متفق عليه. فدل على أن الطعن في الأنساب من عمل الجاهلية; وأن المسلم قد يكون فيه شيء من هذه الخصال المسماة بجاهلية ويهودية ونصرانية، ولا يوجب ذلك كفره ولا فسقه. قاله شيخ الإسلام رحمه الله.

قوله: "والاستسقاء بالنجوم" أي نسبة المطر إلى النوء وهو سقوط النجم. كما أخرج الإمام أحمد وابن جرير عن جابر السوائي قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " أخاف على أمتي ثلاثا: استسقاء بالنجوم، وحيف السلطان، وتكذيبا بالقدر " ٧.

فإذا قال قائلهم: مطرنا بنجم كذا أو بنوء كذا. فلا يخلو إما أن يعتقد أن له تأثيرا في إنزال المطر، فهذا شرك وكفر. وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية كاعتقادهم أن دعاء الميت والغائب يجلب لهم نفعا، أو يدفع عنهم ضرا. أو أنه يشفع بدعائهم إياه، فهذا هو الشرك الذي بعث


١ سورة الأحزاب آية: ٣٣.
٢ سورة الحجرات آية: ١٣.
٣ سورة سبأ آية: ٣٧.
٤ حسن. أبو داود: كتاب الأدب (٥١١٦) : باب في التفاخر بالأحساب. وحسنه المنذري في الترغيب (٣/٦١٤) ، وصححه ابن تيمية في الاقتضاء (ص٧٣) .
٥ وإنما عيره بسوادها فقط. فقال له: يا ابن السوداء. فكيف بالناس اليوم وقد أطلقوا لأقلامهم وألسنتهم العنان؟.
٦ ٢٧٨- البخاري: كتاب الإيمان (٣٠) ; باب المعاصي من أمر الجاهلية واللفظ له. ومسلم: كتاب الإيمان (١٦٦١) (٣٨) : باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس. عن أبي ذر رضي الله عنه، وأبو داود: الأدب (٥١٥٧) , وأحمد (٥/١٦١) .
٧ صحيح. أحمد (٥/٨٩,٩٠) . وصححه الألباني لشواهده في السنة لابن أبي عاصم رقم (٣٢٤) وراجع تخريج رقم [٢٧٢] .

<<  <   >  >>