للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واشتهاه، إذا حصل له مراده؛ فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى. قال: فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله، وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة وتفريغها، ودفع ضدها. فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهم؛ فإن محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها بأصل الحب، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

قلت: ومحبة الله تعالى تستلزم محبة طاعته؛ فإنه يحب من عبده أن يطيعه. والمحب يحب ما يحبه محبوبه ولا بد.

ومن لوازم محبة الله أيضا: محبة أهل طاعته، كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده، فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان، كما في حديث ابن عباس الآتي. قال: وتفريغها. أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، قال: ودفع ضدها أن يكره ضد الإيمان كما يكره أن يقذف في النار". انتهى.

قوله: "أحب إليه مما سواهما" فيه جمع ضمير الله تعالى وضمير رسوله صلي الله عليه وسلم، وفيه قولان:

وفي رواية: " لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى " ١ إلى آخره.

أحدهما: أنه ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة؛ فإنها وحدها لاغية. وأمر بالإفراد في حديث الخطيب٢ إشعارا بأن كل واحد من


١ البخاري: الأدب (٦٠٤١) .
٢ وذلك ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عدي بن حاتم: "أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى. فقال له صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت. قل: من يعص الله تعالى ورسوله فقد غوى". قال النووي: ((سبب الإنكار عليه أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح, واجتناب الإشارات والرموز. قال: ولهذا ثبت أن رسول الله كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه, قال: وإنما ثنى الضمير في قوله: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"؛ لأنه ليس خطبة وعظ، وإنما هو تعليم حكم, فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف الخطبة)) اهـ. أقول: ولعلها حادثة حال لها ظروفها التي اقتضت أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والله أعلم.

<<  <   >  >>