قوله:"وإذا شيك" أي أصابته شوكة "فلا انتقش" أي فلا يقدر على إخراجها بالمنقاش قاله أبو السعادات. والمراد أن من كانت هذه حاله فإنه يستحق أن يدعى عليه بما يسوءه في العواقب، ومن كانت هذه حاله فلا بد أن يجد أثر هذه الدعوات في الوقوع فيما يضره في عاجل دنياه وآجل أخراه.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصة. وذكر فيه ما هو دعاء بلفظ الخبر، وهو قوله:"تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش"، وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح؛ لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال.
وقد وصف ذلك بأنه "إن أُعطي رضي، وإن مُنِع سخط" كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} ١. فرضاؤهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقا منها برياسة أو صورة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده - إلى أن قال: -
وهكذا أيضا طالب المال، فإن ذلك يستعبده ويسترقه. وهذه الأمور نوعان: فمنها ما يحتاج إليه العبد، كما يحتاج إلى طعامه وشرابه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك; فهذا يطلب من الله ويرغب إليه فيه. فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا.
ومنها: ما لا يحتاج إليه العبد، فهذا ينبغي أن لا يعلق قلبه بها، فإذا تعلق قلبه بها صار مستعبدا لها، وربما صار مستعبدا ومعتمدا على غير الله فيها، فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله وشعبة من التوكل على غير الله، وهذا من أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم:" تعس عبد الدينار; تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة ". وهذا هو عبد لهذه الأمور ولو طلبها