من صفات كماله ونعوت جلاله، وبنوا هذا التعطيل على أصل باطل أصّلوه من عند أنفسهم فقالوا: هذه الصفات هي صفات الأجسام. فيلزم من إثباتها أن يكون الله جسما، هذا منشأ ضلال عقولهم، لم يفهموا من صفات الله إلا ما فهموه من خصائص صفات المخلوقين، فشبهوا الله في ابتداء آرائهم الفاسدة بخلقه، ثم عطلوه من صفات كماله، وشبهوه بالناقصات والجمادات والمعدومات; فشبهوا أولا
وفي صحيح البخاري قال علي:" حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتريدون أن يُكَذَّب الله ورسوله؟ " ١.
وعطلوا ثانيا، وشبهوه ثالثا بكل ناقص ومعدوم، فتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله على ما يليق بجلاله وعظمته. وهذا هو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها؛ فإنهم أثبتوا لله ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، فإن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحتذى حذوه، فكما أن هؤلاء المعطلة يثبتون لله ذاتا لا تشبه الذوات، فأهل السنة يقولون ذلك ويثبتون ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله، لا تشبه صفاته صفات خلقه; فإنهم آمنوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يتناقضوا، وأولئك المعطلة كفروا بما في الكتاب والسنة من ذلك وتناقضوا. فبطل قول المعطلين بالعقل والنقل ولله الحمد والمنة، وإجماع أهل السنة من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة المسلمين.
وقد صنف العلماء -رحمهم الله تعالى- في الرد على الجهمية والمعطلة والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم في إبطال هذه البدع، وما فيها من التناقض والتهافت: كالإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في رده المشهور، وكتاب السنة لابنه عبد الله، وصاحب الحيدة عبد العزيز الكتاني في رده على بشر المريسي، وكتاب السنة لأبي عبد الله المروزي، ورد عثمان بن سعيد على الكافر العنيد. وهو بشر المريسي، وكتاب التوحيد لإمام الأئمة محمد بن خزيمة الشافعي، وكتاب السنة لأبي بكر الخلال، وأبي عثمان الصابوني الشافعي، وشيخ الإسلام الأنصاري، وأبي عمر بن عبد البر النمري، وخلق كثير من أصحاب الأئمة الأربعة وأتباعهم، وأهل الحديث. ومن متأخريهم: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه وغيرهم -رحمهم الله تعالى-. فلله الحمد والمنة على بقاء السنة وأهلها مع تفرق الأهواء وتشعب الآراء. والله أعلم.
قوله:"وفي صحيح البخاري قال علي رضي الله عنه: " حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتريدون
١ البخاري: كتاب العلم (١٢٧) : باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية لا يفهموا.