للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} .

قال العماد ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن دهرية الكفار، ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة. وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البدأة والرجعة. وتقول الفلاسفة الدهرية الدورية، المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول، ولهذا قالوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} . قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} أي يتوهمون ويتخيلون. فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح وأبو داود والنسائي

في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار " ١.

من رواية سفيان ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار " ٢.

وفي رواية: " لا تسبوا الدهر؛ فإني أنا الدهر " ٣.

وفي رواية: " لا يقل ابن آدم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدهر، أرسل الليل والنهار، فإذا شئت قبضتهما " ٤ اهـ ٥.

قال في شرح السنة: حديث متفق على صحته أخرجاه من طريق معمر من أوجه عن أبي هريرة قال: ومعناه أن العرب كان من شأنها ذم الدهر أي سبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل؛


١ البخاري: التوحيد (٧٤٩١) , ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (٢٢٤٦) , وأبو داود: الأدب (٥٢٧٤) , وأحمد (٢/٢٣٨) .
٢ في ابن كثير: "أقلب ليله ونهاره".
٣ مسلم: كتاب الألفاظ من الأدب (٢٢٤٦) (٥) : باب النهي عن سب الدهر. من حديث أبي هريرة أيضا، وأحمد (٦/١٥٨) .
٤ مسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (٢٢٤٦) , وأحمد (٢/٢٧٥ ,٢/٣١٨) , ومالك: الجامع (١٨٤٦) .
٥ هذه الرواية ليست في نسخ ابن كثير المطبوعة بأيدينا. وهي في تفسير البغوي.

<<  <   >  >>